النار تشتعل في أسعار العقار وأخبار عن تبييض أموال المخدرات

انتعاش سياحي على إيقاع الديسكو والكوك في طنجيس مدينة الجواسيس

الإثنين 11 دجنبر 2006 - 13:55

بات الحصول على سكن في مدينة طنجة يتطلب دفع أموال ضخمة، وصار الناس في مدينة البوغاز لا يفتأون يتنذرون باستحالة الظفر

بـ قبر الحياة في ظل استمرار المضاربات العقارية التي حولت المدينة إلى ورش بناء مفتوح
صار الحصول على المتر المربع الواحد يتطلب دفع مبلغ عشرين ألف درهم في وسط المدينة أما الوعاء العقاري في الضواحي فقد صار نادرا، بل أندر من أسنان الدجاج، ومصادرنا تحدثت عن كون تجار المخدرات وجدوا في شراء العقارات أنجع وسيلة لغسل الأموال القذرة

أباطرة المخدرات لم يعودوا يكتفون بشراء العقارات فقط بل صاروا يستولون على مساحات شاسعة من الأراضي القروية المجاورة للمدينة في الجماعات الضاحوية، إنهم يدفعون نقدا ملايين الدراهم لأصحاب الأراضي الراغبين في بيع ممتلكاتهم، واللافت أنهم يدفعون دون أن يفاوضوا حول السعر الذي يحدده المالك«، يقول صاحب وكالة عقارية هي في الأصل عبارة عن دكان صغير به مكتب وجهاز هاتف قديم وطاولة نثرت عليها مجلات بالية في زقاق غير بعيد عن فندق »المنزه« بشارع الحرية

زوار مدينة طنجة يلاحظون »انتعاش« أوراش البناء،الحفارات تعمل على حفر أساسات عمارات يجري تشييدها وخلاطات تضخ الاسمنت المسلح في دعائم عمارات أخرى بمختلف شوارع مدينة صار المنعشون العقاريون يتهافتون عليها
أول من »يدشن« هذه المساكن هم المهاجرون غير الشرعيين، ينامون فيها عندما يهدهم التعب في الميناء ويعييهم التجوال في المدينة للبحث عن فتات الموائد قبل أن يستأنفوا رحلتهم باتجاه الميناء مرة أخرى بحثا عن أمل للهجرة نحو إسبانيا التي لا تبعد عن المدينة سوى بـ 14 كلم

أحفاد طارق بن زياد الجدد تعج حواري طنجة بالمرشحين للهجرة »غير الشرعية«، والراغبين في المغادرة نحو فضاء أرحب للعيش يحجون زرافات للمدينة، ضمنهم مغاربة وأفارقة قطعوا رحلة طويلة وعبروا الصحراء الكبرى ليستقروا في مدينة تقع على مرمى حجر من إسبانيا
قرب محل لبيع اللحم المشوي و»البيصارة« كان ثلاثة شباب يتسولون الطعام من زبناء مطعم نشر طاولات خشبية متسخة على الرصيف
المطعم غير بعيد عن مقر الدائرة الثانية للشرطة ويحاذي مطاعم نبتت في المدينة كما اتفق

محمد الدغمي، القادم من إقليم قلعة السراغنة طمعا في عبور المتوسط باتجاه إسبانيا، تحدث بحذر بعد أن أتى على »جبانية بيصارة« دفعنا ثمنها وقال إنه قدم للمدينة منذ أزيد من شهر وأن مبلغ ألف درهم الذي سرقه من والدته أنفق نصفه في الأسبوع الأول ثمنا للإقامة في فندق رخيص بالمدينة قبل أن يقرر الانضمام إلى أشخاص آخرين من أبناء المنطقة التي ينحدر منها، يبيتون في عمارة في طور البناء ويرتادون الميناء بشكل جماعي وعندما يجوعون فإنهم يتسولون الطعام من زبناء المطاعم الصغيرة
محمد عينه على إسبانيا وقلبه منفطر على والدته ويرى أنه من المستحيل أن يعود إلى منزل الأسرة لأنه سارق أولا، وحتى يثبت أنه رجل ثانيا
كيف ذلك سأذهب إلى إسبانيا وأعمل في حقول الطماطم وأحصل على المال الكثير، ساعتها وبعد تسوية وضعية إقامتي بالديار الإسبانية سأعود لمدينتي محملا بالهدايا وسأدخل منزلنا معززا مكرما، ليس بالطريقة التي خرجت بها عندما سطوت على مال والدتي وغادرت المنزل تحت جنح الظلام«، متحسرا قالها وطلب لفافة تبغ دخنها بشراهة وغادر المكان

في طنجة، يوجد المئات مثل محمد الدغمي، وسكان المدينة ألفوا وجود هؤلاء المرشحين للهجرة غير الشرعية المنتشرين في الساحات العمومية وقرب الشاطئ والذين يراقبون شاحنات نقل البضائع المارة بالشوارع فيتسلقونها أملا في أن تقودهم إلى جوف باخرة ويهاجروا سرا كالجرذان

ليل الأنس والصخب سوق العقار ليس وحده الذي يشهد انتعاشا في طنجة فالسياحة أيضا تجذب الراغبين في قضاء أيام في مدينة تختال فوق ربوة تطل على الأطلسي والمتوسط معا
صحيح أن المنازل هي مزيج من المعمار الموريسكي الأندلسي والعربي والإسباني والبرتغالي والفرنسي والإنجليزي، كما أن الناس فيها خليط من كل مناطق المغرب، لكن سحنات سكانها الأصليين لا تخطؤها العين
في طنجة توجد أماكن ترفيه »عائلية« يمكن العثور عليها في مجمع »منار بارك السياحي في الجهة الشرقية للمدينة، كما توجد إقامات للسكن تجاور حدائق ألعاب ومسابح ومطاعم ومقاهي بعضها صار »مشبوها« على حد قول أحد السكان لـ المغربية
الكورنيش الذي كان يعج بالفوضى صار أنيقا ومرتبا، ويعود الفضل في ذلك للوالي محمد حصاد الذي شذب المكان حفاظا على الملك العمومي وجمالية الشاطئ

ولم تعد المراقص الليلية تحجب عن المارة رؤية مياه البحر كما كان الحال في السابق بل صار بإمكان الناس التملي في زرقة الماء المترائية وراء مراقص وحانات تفتح أبوابها للساعات لحين شروق الشمس إن توفر زبائن كثر
في مرقص، كان فنان شعبي مغمور يغني مقطعا موسيقيا من أغنية خليجية وبجواره انتشرت فتيات يرقصن بغنج زائد

النادل يرسم ابتسامة صفراء ويقدم الطلبات قنينة الجعة تباع في المرقص بمبلغ تلاثين درهما، سعر نصف كيلو من اللحم، والفتيات مكلفات بجعل الزبائن يحتسون أكبر عدد ممكن من الزجاجات مقابل استفادتهن من هامش ربح صغير
مصادر صحافية في المدينة أكدت ان بعض المراقص خصص »بادجات« للفتيات العاملات فيه وأضاف مصدرنا قائلا »هناك ملاهي أخرى تفتح أبوابها للرقص والشرب والجنس كذلك
أما استهلاك الكوكايين فصار مألوفا في العديد من الأماكن ضمنها فنادق مصنفة ورجال الأمن كانوا يتلقون عمولات وإتاوات مقابل التستر على نشاط العصابات المنظمة، والشريف بين الويدان ومن معه خير دليل على ذلك«

وأكدت مصادر جمعوية لـ »المغربية« أن جهة طنجة تطوان صارت نقطة عبور رئيسية لشبكات تهريب الكوكايين بين أميركا الجنوبية وأوروبا، مشيرة إلى أن سبب انتشار هذه العصابات قرب المغرب من القارة الأوروبية عبر مضيق جبل طارق
ووصفت المصادر ذاتها وجود شبكات محلية تتاجر في القنب الهندي والهجرة غير الشرعية بـ »الأمر العادي جدا« وقالت إن المدينة صارت ملاذا شبه آمن لرؤوس المافيا العالميين مذكرة باعتقال الأمن المغربي لـ »الكوزا نوسترا« أحد رؤوس المافيا الإيطالية، بعدما كان يحاول دمج رأسه مع رؤوس المافيا المحلية بعد أن قضى وقتا طويلا هاربا من العدالة الإيطالية

ويوم الأحد الماضي جرى إحباط محاولة تهريب أكثر من طن من الحشيش بميناء طنجة، كانت معبأة بإتقان على متن مقطورة ألمانية محملة بطماطم مغربية كانت في طريقها نحو هولندا
وحجزت هذه المخدرات التي كانت مخبأة بسطح المقطورة، بعد أن كشفت الصور الملتقطة بواسطة أشعة »السكانر« وجود »أجسام غريبة« مدسوسة بفراغات أعلى الهيكل، وبلغ وزن المخدرات المحجوزة مؤخرا طنا واحدا و324 كيلوغراما من مادة الشيرا

وتبحر يوميا أزيد من 200 شاحنة من ميناء المدينة باتجاه أوروبا، هي شاحنات إن لم تحمل معها مهاجرين غير شرعيين فقد تحمل مخدر حشيش لمهربين يرغبون في الربح السريع
توسع عمراني لافت من بين جهات المملكة التي تشهد نسبا عالية من التمدن على المستوى الوطني هناك مدن جهة طنجة تطوان التي تسجل تفاوتات مابين عمالات وأقاليم الجهة حيث نجد أكثر من 80 في المائة من السكان الحضريين بالجهة يقطنون بعمالة طنجة أصيلة بنسبة 48.8 في المائة أو تطوان 32.2 في المائة أما مدن شفشاون والعرائش فقد سجلت نسبة تمدن أقل من المعدل الوطني 10.43في المائة في شفشاون 48.95 في المائة في العرائش
وخلال المرحلة العشرية 1994/2004 ارتفع السكان الحضريون بـ 27 في المائة وأفرز هذا الطابع الحضري شبكة حضرية مهمة ساهمت في انتقال السكان الحضريين من 1138000 سنة 1994 إلى 1442000 سنة 2004 وهو الشيء الذي أدى إلى ارتفاع نسبة التمدن من 56 في المائة إلى 58 في المائة

ويرى مراقبون محليون بمدينة طنجة أن ارتفاع عدد السكان بالمدينة مرده إلى الهجرة القروية وإلى كون المدينة صارت تجذب الكثير من الزوار الذين يتحولون إلى سكان دائمين بعد أن جاؤوها قصد الزيارة أول الأمر

وحسب المديرية الجهوية للتعمير بجهة طنجة تطوان فإن حصيلة الأوراش الكبرى للإسكان والتعمير ونتائج سنة 2005 فقد تم إنتاج 9.226 وحدة سكنية جديدة ضمنها 4.825 وحدة مخصصة للسكن الاجتماعي و4.401 عبارة عن قطع أرضية معدة للسكن الاقتصادي إضافة إلى إتمام2816 وحدة عن طريق عمليات إعادة الهيكلة

وحسب وثائق حصلت عليها المغربية فإنه جرى ما بين 2003 و2005 فتح أوراش لـ 22.126 وحدة سكنية ضمنها 5000 سنة 2003 و7900 سنة 2004 و9226 سنة 2005
بمعدل سنوي يصل إلى 7375 وحدة

ويجري التحضير للرفع من وتيرة الإنتاج لتصل إلى 150000 وحدة في غضون سنة 2008
ويوجد بجهة طنجة تطوان 80 حيا صفيحيا تقطنه 12.123 أسرة ويتمركز بمدينة طنجة وحدها 54 حيا قصديريا تؤوي 3074 أسرة

أحياء البؤس الآيلة للسقوط يرى مسؤول بالجماعة الحضرية لمدينة طنجة أن الأمطار الغزيرة التي تعرفها »عادة« المدينة خلال فصل الشتاء، تتسبب في انهيار منازل بالمدينة العتيقة، وقال إن التساقطات المطرية تشرد أسرا ترغم على إفراغ مساكنها والانتقال للسكن في »مخيمات« مضيفا أن هذه الأسر تظل بعد ذلك تنتظر المصير المجهول

مذكرا بحادث انهيار تسعة منازل بحي الحافة وبمجرد هطول الأمطار وجد الشباب والمراهقون العاطلون »مهنة جديدة«، يقفون بين الأرصفة المغمورة بالمياه الموحلة، يرتدون أحذيةبلاستيكية طويلة، ويشرعون في حمل المارة على أظهرهم من رصيف إلى آخر مقابل بضعة دراهم

تحول هؤلاء »العبارون« إلى منقذ حقيقي للسكان من البلل في زمن يصبح التنقل فيه مستحيلا بين طرقات وأحياء تغرق في المياه منذ أول زخّة مطرية
وقال أحد السكان إن حي السويقة عرف حادثا أودى بحياة امرأة وإصابة أكثر من خمسة أشخاص بجروح بليغة، وأكد أن الحادث وقع يوم الاثنين 27 نوفمبر إذ سقط جزء من منزل قديم على المسماة قيد حياتها سعيدة الستيتو، المزدادة سنة 1977 والتي لقيت حتفها في الحين رغم تدخل سكان هذا الحي لإنقاذها وإخراجها من تحت الأنقاض

مصادر من الوكالة الحضرية للمدينة تشير إلى أن »بحثا تقنيا«، أنجز في المدينة القديمة، خلص إلى وجود ما يزيد عن 96 منزلا آيلا للسقوط، ضمنها خمسة مبان تستدعي الهدم التام، فيما تتطلب باقي المنازل إصلاحات وترميمات ذات طابع استعجالي
وقال المصدر ذاته إن معظم هذه المنازل لها ارتباط بمعمار المدينة العتيقة

وأشار مهندس مدني رفض الكشف عن هويته إلى أن الانهيارات الخطيرة، التي تعرفها أزقة المدينة القديمة، ترجع بالأساس للبنية التكوينية والجيولوجية للمنطقة، ولارتفاع الرطوبة بها، بالإضافة إلى التدخلات السلبية التي يقوم بها المواطن نفسه، وضمنها لجوؤه إلى الإصلاحات العشوائية أو الترميمات البدائية غير المدروسة
ولم تستبعد مصادر أخرى حدوث الانهيارات بسبب التسرب الدائم لمياه الواد الحار داخل أزقة وجدران جل المنازل الواقعة داخل السور التاريخي للمدينة القديمة، وهي تسربات تؤدي إلى انجرافات خطيرة تتسبب في تصدع الجدران وتآكل البنيات التحتية لأغلب المنازل المحيطة بالمدينة القديمة

وحسب البحث التقني الذي أنجزته أخيرا الوكالة الحضرية لمدينة طنجة فإن المنازل المهددة بالانهيار لا تتمركز فقط داخل أسوار المدينة القديمة بل تمتد لتشمل مجموعة منازل أخرى ضمنها دور حديثة تدخل في إطار البناءات العشوائية التي شيدت على هوامش المدينة مثل حومة الشوك

وحسب تقرير الوكالة نفسها، جرى التأكيد على ضرورة تفعيل بنود الاتفاقية الإطار المتعلقة برد الاعتبار للمدينة العتيقة بطنجة، والتي تبرم بشراكة 11 متدخلا وبغلاف مالي يقدر بـ 16 مليون درهم، مع المتابعة التقنية لأشغال ترميم عدد من المنازل والدور التي أصبحت في وضعية حساسة وكذا البنيات التاريخية ذات الطابع المعماري الأوروبي الموجود خارج الأسوار العتيقة، والتي تعود للفترة الممتدة بين النصف الأخير من القرن 19 والنصف الأول من القرن 20، وذلك للمحافظة على التراث الأثري والمعماري للمدينة باعتباره وعاء حضاريا لكل الثقافات ويستحق بذل كل الجهود لإنقاذه

وكان مكتب رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بطنجة قد راسل والي الجهة في الموضوع، وذكر أن الأشغال الجارية تمر بحالة تعثر واضطراب دائم على كل الأصعدة، مما ينم بكل وضوح عن فشل وتهاون كل الأطراف المتعاقدة وعدم جديتها في التعاطي مع هذا المشروع، الذي يحتاج إلى التزام الدقة والتحلي بالخبرة العميقة بمجال المعمار التراثي

وترى الرابطة أن »المخطط خرج عن أهدافه عندما تحول إلى أداة هدم وتشويه لكل المعالم، التي لا يمكن تعويضها بأي حال من الأحوال، وأن العملية تكتنفها عدة ملابسات قد تؤدي لا محالة إلى إتلاف المال العام




تابعونا على فيسبوك