أنثولوجيا الأدب العربي في المهجر

مختارات أدبية للكتاب الأميركيين من أصول عربية

السبت 14 يناير 2006 - 12:57
د.  لطفي حداد

صدر أخيرا عن دار صادر في بيروت الجزء الرابع من سلسلة أنثولوجيا الأدب العربي المهجري المعاصر التي قدّمها وحققها الكاتب السوري المقيم في أميركا د لطفي حداد، يختص هذا الجزء بالأدب العربي الأميركي المعاصر، ويضم مختارات أدبية للكتاب الأميركيين من أصول عربية به

كان قد صدر في العامين الماضيين الجزء الأول من هذه الأنثولوجيا الموسوعية وضم تسعة وستين شاعراً يكتبون باللغة العربية ويعيشون خارج العالم العربي.

بعده صدر الجزء الثاني الذي ضم خمسين من كتّاب القصة والرواية العرب في المهجر، أما الجزء الثالث فهو قيد الطبع ويشمل ستين كاتباً ليكتمل العمل على الأدب المعاصر، ويخصص الجزء الخامس للأدب العربي المهجري القديم أيام جبران والريحاني مع تسليط الضوء على أكثر من ستين شاعراً وكاتباً ممن عاشوا في بدايات القرن العشرين في القارة الأميركية ولم يتعرف عليهم قراء العربية بشكل عام.

قسّم هذا الجزء الرابع إلى ثلاثة أبواب، الباب الأول كان بمثابة مقدمة في الأدب العربي الأميركي المعاصر تحدث فيه الكاتب عن الأدب المهجري في أوائل القرن العشرين وكيف تطور إلى الأدب العربي الأميركي الناطق بالإنجليزية والمختلف في أساليبه ومواضيعه، بالإضافة إلى قراءة في خصائص الأدب العربي الأميركي والهوية العربية الأميركية.

الباب الثاني ضم مجموعة من المختارات الأدبيةشعر ونثر لخمسة وخمسين أديباً وأديبة رتبوا حسب التسلسل الأبجدي باللغة العربية للأحرف الأولى من أسماء الأدباء، وقد قام الكاتب بترجمة أغلب النصوص ساعده في الترجمة الأدباء : إباء اسماعيل، علي مزهر، فادي سعد، فاروق سلوم، فايز ملص ومحمد النبهان.

أما الباب الثالث والأخير فقد ضم شهادتين أدبيتين، الأولى بعنوان على ناصية شارع مين بقلم إلماظ أبي نادر، والثانية بعنوان هذا العكاز الذي أحبه بقلم نعومي شهاب ناي
لاشك أن هذه السلسلة تعتبر أكبر موسوعة مهجرية معاصرة تربط المهجر بالوطن، ومرجعاً للدارسين والمهتمين، كما أن هذا الجزء الرابع يعمل على توصيل الأدب المهجري المكتوب باللغة الإنجليزية إلى القارئ العربي، ومد الجسور مع الثقافة العربية.

إن معظم الكتاب العرب الأميركيين مجهولون في الوسط الثقافي العربي ولم تترجم أعمالهم إلى العربية، لذلك يبتدئ هذا الكتاب مشروعاً للانفتاح على هذا الأدب الجميل يرجى له الاستمرار.

مما جاء في مقدمة الكتاب : "كنت قد كتبت في مقدمة أنثولوجيا الأدب العربي المهجري المعاصر ما يمكن تلخيصه كالتالي : إذا كان المهجر والأدب المهجري في بدايات القرن العشرين أميركيا، ولبناني الطابع بشكل أساسي، فإن المهجر الجديد هو أوروبي وعراقي الصبغة.

طبعاً كان الكلام هناك عن الأدباء العرب الذين هاجروا أخيرا ويكتبون باللغة العربية بشكل أساسي, أما حين يكون الكلام عن الأدب العربي الأميركي المكتوب باللغة الإنجليزية، فإنني أستطيع العودة إلى الشطر الأول من جملتي وأثبتها.

بمعنى أن الأدب العربي الأميركي المعاصر لبناني الصبغة والهوى، ويغلب عليه اللون الشعري والصوت الأنثوي.

هناك اختلافات جذرية بين الأدب العربي الأميركي القديم أقصد مدرسة الريحاني وجبران، والأدب العربي الأميركي المعاصر .

فالأول كان أغلبه عربي اللغة، أقرب لهموم الوطن، عابقاً بالحنين، منشداً للحرية المفتقدة في العالم العربي، وثوري الأسلوب، مستمداً من معاصرته للأدب الأميركي في تلك الفترة الكثير من الأساليب الحديثة في الشعر خصوصاً.

أما الأدب العربي الأميركي المعاصر فليس فيه حنين ونوستالجيا لأن معظم هؤلاء الكتاب يعرفون الشرق من خلال عائلاتهم، وبعضهم لم يزرْ أي بلد عربي ولا يتكلم أو يفهم العربية، ومعظمهم لم يكتب بالعربية أبداً.

كذلك لا نجد أسلوباً خاصاً بهؤلاء الكتاب يميزهم عن أقرانهم الأميركيين سوى استخدام بعض الكلمات العربية أو الأسماء الشرقية اللفظ أو المدلول.

من الواضح أن هناك انقطاعاً بين الأدب العربي الأميركي المعاصر والأدب العربي الشامل رغم سهولة التواصل في هذه الأيام, فكتابات الأدباء العرب الأميركيين قلما تُنقل إلى العربية عدا استثناءات قليلة كايتل عدنان ونعومي شهاب وجون عصفور، كما أن معظم الأسماء غير معروفة في العالم العربي رغم أن بعض الأدباء قد حققوا نجاحاً كبيراً في القارة الأميركية.

لهذا الانقطاع أسباب كثيرة إذ لا يعاني الكتاب العرب الأميركيون من الطغيان السياسي، وفقدان حرية التعبير، والمحرمات الدينية والاجتماعية التي تشكل هاجس الكاتب العربي في الداخل أو الخارج.

كذلك لا يعيش الأديب العربي الأميركي في منفى جغرافي أو سياسي أو ثقافي أو نفسي، رغم أن هناك نوعاً من التميز والانعزالية في الأدب العربي الأميركي المعاصر
لا يبحث الأديب العربي الأميركي عن الحرية لأنها مثل الهواء والماء، متوفرة للجميع، وقد تربى عليها لذلك لا نرى الكثير من الكتابات في هذا الموضوع عكس الأدب العربي المعاصر.


لا يعيش الأديب العربي الأميركي في الماضي ولا يتكلم عن تراث تليدٍ لأن الأميركي العادي لا ينظر للوراء وليس له تاريخ ممتدّ بأية حال, أما المواضيع التراثية أو المرتبطة بالماضي فما تزال تشكل حيزاً كبيراً من النتاج الأدبي العربي.

لا يحتاج الأديب العربي الأميركي أن يتعلم لغة أخرى غير الإنجليزية لأنه يعيش في قارة غنية مادياً وثقافياً وعلمياً، ولا يفكر في الهجرة لأن لا شيء يعوزه ولا حكومة تضطهد إنسانيته، ونجد العكس في حالة الأدباء العرب الذين يتشوقون لقراءة الأدب العالمي، رغم محدودية نقله إلى العربية، كما أن أعداداً كبيرة منهم يعيشون في الخارج بين أوروبا وأميركا خصوصاً أدباء العراق وفلسطين وبعض اللبنانيين والسوريين.

لا أعتقد أن أي كاتب عربي أميركي قد سمع بمفهوم التكفير ومنع الكتب من الدخول إلى بلد عربي أو حتى مطاردة الكتاب وسجنهم.

وبالتأكيد لا يخطر في بالهم أن عملاقاً بحجم نجيب محفوظ قد طُعن بسكين، أو مفكرين من طراز نصر حامد أبوزيد يعتبرون كفاراً ومرتدين.

بالنسبة للكتاب العرب الأميركيين اللغة ليست تاريخاً وحضارة ووطناً بل وسيلة للتواصل
هي ليست ثورة وموقفاً سياسياً وسجناً وأحلاماً تسعى إلى أفق بل طريقاً إلى الحاضر المطمئن.

لا يحمل الأدباء العرب الأميركيون فلسفات أحزابهم السياسية إلى كتاباتهم لأنهم لم يكتشفوا في العمق الشيوعية والقومية العربية والأحزاب الدينية, لذلك كانت مواضيعهم إنسانية عامة لا تتطرق للسياسة والنظرة الحزبية الضيقة للحياة.




تابعونا على فيسبوك