أضحت مدينة الدار البيضاء من المدن الكبرى المغربية التي تنتشر فيها المقاهي المخصصة لتدخين "الشيشة " ، يقبل عليها الذكور كما الإناث، من مختلف المستويات الاجتماعية ومن أعمار متراوحة بين 18 و35 سنة.
وبات أمر التعاطي لهذه المادة أمرا اعتياديا، لا يثير حفيظة المدمنين عليها، والمثير للانتباه أن الظاهرة تعرف إقبالا متزايدا وسط الإناث، ينفخن الشيشة أمام الملأ، ويتمتعن برائحة "المعسل" بنشوة زائدة.
وتتكاثرالمقاهي البيضاوية التي تقدم الشيشة لزبنائها، توجد في الشوارع الكبرى وسط المدينة، كما تتوفر بمقاهي الأحياء الشعبية أو في الضواحي.
عند ولوج بعض المقاهي البيضاوية التي تقدم خدمة تدخين الشيشة، يحسب الزائر أنه يوجد في أحد الأحياء المصرية التي تنقلها المسلسلات العربية عن نساء ورجال "الحارة" وهم ينفخون في أنابيب شبيهة بأفعى.
ففي مقاهي في المدينة الاقتصادية، غالبا ما يجلس المدخنون للشيشة على طاولات مشكلين مجموعات شبابية، تضم الذكور كما الإناث، يطلبون من النادل المادة كمن يطلب كوب ماء، فتقدم لهم بابتسامة عريضة وترحيب كبير.
فمن المدخنات، من ينفخن في "شيشتهن" صامتات متأملات في الأشخاص المحيطين بهن، ومنهن من يتطلعن بين الفينة والأخرى لهواتفهن النقالة بحثا عن رقم هاتفي أو رسالة قصيرة، ومنهن من تنخرط في الحديث مع أفراد المجموعة الشبابية، وهن يطلقن ضحكات عالية.
ولا توجد مقهى مخصصة للشيشة في البيضاء، إلا و"تستمتع" فيها الفتيات رفقة مرافقيهن من الفتيان أو الفتيات، بالاستماع إلى أغاني شرقية وأخرى غربية، وهن يحتسين القهوة أو العصير، ملقيات بأجسادهن على مقعد المقهى بارتياح شديد
منهن من ترتدي لباسا عاديا، ومنهن من ترتدي سروال "دجين" تكاد تتمزق خيوطه من شدة التصاقه بالجسم.
مقاهي الشيشة بمدينة الدار البيضاء، فضاءات عمومية تنبعث منها الأدخنة، وتفوح منها روائح مختلفة تغلب عليها نكهة التفاح.
قد ينتاب رائد هذه النوعية من المقاهي لأول وهلة شعور بكونه يوجد في حارة مصرية أو سورية، لا تنقصها سوى ترديد عبارة "هاتي الشيشة يا واد".
ويلاحظ بهذه المقاهي أنه غالبا ما يلتف الأصدقاء حول "أنبوب" الشيشة، يمتصونه بالتناوب، ويتلذذون بعناصره التي تصل مسالكهم التنفسية، لا يكل الذكور والإناث على حد سواء من تدخين الشيشة في جلسة تستغرق ساعة أو أكثر، كما لا يكترثون لثمنها الذي يتراوح بين 30 و50 درهما.
منهم من يبادر بأداء ثمنها منفردا نيابة عن باقي أعضاء المجموعة، ومنهم من يتضامن في أداء قيمتها حسب الاتفاق أو حسب عدد مرات استعمال الشيشة بينهم، حسب ما أفاد به "الصحراء المغربية" نادل بإحدى مقاهي الشيشة.
وللشباب الذي استولت عليهم "الشيشة"، نذكر أن الأطباء المختصين في علاج الأمراض التنفسية والصدرية، يؤكدون أن الأضرار التي تحدث بسبب تدخين السيجارة، تحدث أيضا بسبب تدخين الشيشة، لكن بشكل مضاعف، ومنها احمرار العينين وزوال نعومة الشعر وشحوب الوجه، إضافة إلى تحول لون الأسنان إلى الأصفر وبعده إلى اللون الأسود، ناهيك عن انبعاث روائح كريهة من الفم إضافة إلى الاضطرابات التي تحدث للدورة الشهرية بالنسبة للفتيات.
فالفتاة المدخنة بشكل متواصل، حسب الأطباء، أكثر تعرضا للإصابة بداء السرطان، وأكثر تهديدا بالوصول إلى شيخوخة مبكرة وهي لا تزال في سن الزهور .
وتطرق تقرير أخير للمنظمة العالمية للصحة حول الأمراض الناتجة عن التدخين، إلى أن عدد الأمراض الناتجة عن تدخين الشيشة يتجاوز خمسة وعشرين مرضا، وأن كل سيجارة يدخنها الإنسان تنقص من عمره 5 دقائق ونصف الدقيقة، أما الأضرار الناتجة عن تدخين السيدات الحوامل، فلها انعكاسات على صحة الطفل وتؤدي إلى ولادة مولود خفيف الوزن.
أما عن أسباب إقبال الفتيات على تدخين الشيشة، فتظل غير معروفة لدى العديد من الأشخاص، لكن بعض المختصين في التحليل الاجتماعي والمظاهر السلوكية الجديدة، يعزونها إلى وجود رغبة في التمرد على عادات المجتمع، وعلى أحوال المعيشة التي يعشنها إلى جانب محاولتهن جذب انتباه الجنس الآخر، أو لاعتبارهن تدخينها في الأماكن العامة، مجرد مظهر طبيعي من مظاهر مساواتها بالرجل.
وفي الوقت نفسه يعتبر كثير من المحللين الاجتماعيين، أنها ظاهرة مقلقة في المجتمع العربي، تعكس أحد مظاهر الكسل التي يشتهر بها المجتمع الشرقي لدى الغرب، تستدعى الوقوف عندها والاهتمام بها والتوعية بمخاطرها وآثارها السلبية للحفاظ على صحة المرأة.
وتشير بعض الكتابات في الموضوع إلى أن عادة تدخين الشيشة وصلت للعالم العربي من تركيا التي ظهرت بها منذ 500 سنة، قادمة إليها من الهند، إلا أنها كانت بهذه الرقعة الجغرافية من العالم بدائية، مصنوعة من جوزة الهند، ولذلك يطلق عليها في بعض المجتمعات العربية تسمية "الجوزة".
ويقال إنه من الهند انتشرت الشيشة بسرعة في إيران وتركيا، وتوسعت لتشمل العالم العربي، إلى أن صار لها زبناء في عواصم أوروبية وأمريكية كنوع من تقليد الشرق.
ويشار إلى أنه يقدر عدد مدخني الشيشة من الرجال في العالم بمائة مليون رجل، في الوقت الذي لا تتوفر فيه إحصائيات حول أعداد النساء المتزايد من مدخنات الشيشة.