الطائفية السياسية و الدينية أقبح مظاهر التخلف/أحمد بوكيوض

الخميس 26 يناير 2006 - 18:44

على هامش الأجواء المشحونة وحرب البلاغات والاتهامات المتبادلة بين الأطراف السياسية بلبنان، بادرت ـ هنا في المغرب ـ جمعية "مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين" إلى إصدار بيان تعلن فيه "تضامنها"مع "حزب الله" ضدا على زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي السيد

وحين إطلاعي على مضمون هذا البيان تبادر إلى دهني ما ذهب إليه الاستاذ خالد السفياني، منسق أو رئيس أو زعيم هذه الجمعية، حين صرح للقناة التلفزية التابعة "لحزب الله" قائلا :والحمد لله ان لبنان كله "حزب الله".

وبالرغم مما ينطوي عليه هذا الكلام من غرابة ومجاز في غير محله، فكان من الممكن اعتباره من باب هفوات اللسان أو على سبيل المجاملة، سيما وان التصريح يندرج ضمن اتجاه تسخين مشاعر "الأمة" وإطلاق الشعارات "المصيرية" وإظهار"القدرات والقوة الخارقة" لبعض التيارات القومجية والطوائف "الدينية".

لكن ما جاء في البيان المذكور يشعرنا بأن الأمر (جدي) وأكبر من أن يعتبر مجرد فلتة لسان
إذ أن بيان هذه الجمعية المشار إليه يعبر عن "دعم الشعب المغربي لحزب الله في لبنان " ، ويؤكد على الادانة "الشديدة" للحملة المسعورة التي تشنها بعض القوى ضد "حزب الله"، ومن ثمة يعتبر البلاغ بأن المساس بما يسميه "المقاومة" يشكل "مساسا بالأمة وتآمرا علينا جميعا".

ولجعل هذا الخطاب وهذا الموقف مستساغا فإن البلاغ يحرص على إقحام عبارات "فصائل المقاومة في فلسطين والعراق"، و"القوى المقاومة في فلسطين والعراق" في كل جملة تتحدث عن "حزب الله" وتحشد له التضامن "المغربي".

علما بأن هذه المجموعة لا تكشف عن من تساند في العراق ومن تعنيهم بـ "المقاومة", هل جماعة الزرقاوي، أم فلول الطالبان ومن تجندهم شبكات الإرهاب الأسود، أم بعض الأطراف المنخرطة في العملية السياسية، وتستغل في الوقت نفسه المحنة العراقية لتمرير مخطط فرض نظام الفقيه على بلاد الرافدين.

فتكوين هيئة أو مجموعة منظمة لتقديم الدعم والمساندة على المستوى الإقليمي أو القاري أو "القومي"، يعني ـ منطقيا ـ أن تكون لهذه المجموعة علاقات قائمة وقنوات تواصل منظمة مع الجهة المراد إسنادها ودعمها.

فهل لـ "مجموعة العمل الوطنية" مثل هذه العلاقات، ومع من تقيمها؟ أم مع بعض الاطراف المذكورة أم مع ما تبقى من حزب البعث الذي يحاول تغيير جلده والتبرؤ من حصيلة ونتائج نظام الحكم الحديدي؟ فإن كانت هذه القنوات أو العلاقات موجودة فحري بالجمعية المذكورة أن تعلن عنها، على الأقل، من باب الشفافية المفروض أن تحكم مثل هذا العمل، علما بأن كل الذين يتتبعون تطورات الوضع في العراق لن تقنعهم الاجوبة الجاهزة والفضفاضة كالقول بأن هم هذه "المساندة" هو "الشعب العراقي" هكذا بالمطلق والتعويم فالشعب العراقي ليس بصندوق بريد.

ثم ماذا يعني إقحام القضية الفلسطينية في كل خلاف أو نزاع أو صراع سياسي يخص بالأساس أطرافه، ولماذا يصر البعض دائما على المزايدة على أصحاب القضية، ومن قال لهؤلاء بأن النضال الفلسطيني يتوقف على سلاح "حزب الله"وان من لا يقف مع حسن نصر الله ضد وليد جنبلاط يمس بـ "مصالح الأمة" ويتآمر عليها، وإلى متى يتم استغلال قضية الشعب الفلسطيني وتوظيفها في حسابات وصراعات قوة إقليمية تسعى لاثبات وجودها والتوسع الايديولوجي والسياسي نحو بعض بلدان المنطقة.

ثم كيف يتحدث البيان عن مشكل أو أزمة "لبنانية"، معروفة بمعطياتها وخلفياتها، ثم يجعل من أحد أطرافها "متآمرا علينا جميعا" وانه، جنبلاط وتحالف " 14 مارس"، ضد "القوى المقاومة في فلسطين والعراق"، والحال أن الجميع يعرف ان هذه الأزمة أعمق وأبعد وأقدم مما ظهر مؤخرا من تطرف في مواقف جنبلاط ضد سوريا، وربما ان من هذه المعطيات ما يتعلق بطبيعة"حزب الله" ذاته.

فهذا الحزب ما يزال يعتبر نفسه حركة "مقاومة مسلحة إسلامية" له الحق في التسلح، فيما ان أطراف أخرى تعتبر بأن سيادة الدولة اللبنانية لا معنى ولا قيمة لها مع وجود مليشيات مسلحة تشكل "دولة داخل دولة"، سيما إذا كانت لهذه الملشيات ولاءات وارتباطات مع الخارج كما هو شأن"حزب الله" الذي يقر بعض قادته ان فكرة ومشروع تأسيس هذا التنظيم تمت صياغته في العاصمة الإيرانية طهران، ولحد الآن يتضح بأن الولاء عنده هو، قبل كل شيء، للخميني وتركته في إيران.

كما أن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان والمتغيرات الإقليمية والدولية تنزع عن "حزب الله" مبررات الجفاظ على وضعه كتنـظيم عسكري، ومن هنا نرى عدة أطراف وقوى سياسية لبنانية تدعو هذا الحزب بشكل صريح، أو تلميحا، إلى الحسم في مستقبله وتوجهه بالتحول من حركة مسلحة إلى حزب سياسي مندمج في الحياة السياسية المدنية وفي إطار سيادة البلد وقوانينه.

وهناك من الأطراف السياسية من يرى أن مثل هذه الخطوة، قبل أن تكون تلبية لقرار أممي أو خضوعا للضغوط الأميركية، هي تجاوب مع مصلحة لبنانية وربما مع مصلحة هذا التنظيم نفسه، باعتبار أن الخروج من حالة الالتباس، وتوضيح الأهداف الحقيقية للحزب، وتقديم برنامج سياسي يدحض التكهنات والاتهامات القائلة بأن هدفه هو نقل نظام "الفقيه" الإيراني إلى لبنان.

كل ذلك من شأنه أن يرسخ قاعدة الاستقرار وجسور الثقة التي تساعد على انقاذ لبنان وتجنيبه مخاطر وعواقب الطائفية الدينية والسياسية التي تجسد اليوم في لبنان، كما في العراق ومناطق أخرى، أقبح مظاهر التخلف والانحطاط .

وعودا على بدء نقول بأن "مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين"، التي تأسست بعد آن تعذر على بعض أعضائها التعايش داخل "الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني"، لها ان تسند وتساند وتدعم من تشاء في العراق وفي الشيشان وفي أفغانستان والداغستان.

ويمكن أن تذهب إلى أبعد من ذلك سواء من باب المزايدات أو بفعل تحركات وضغط الملتحقين بها من الجماعات "الإسلاموية".
لكن هل من حقها الادعاء على الشعب المغربي وتنصيب نفسها كمسوق لـ "دعم الشعب المغربي"لطرف ضد أطراف في الصراعات والخلافات اللبنانية ـ اللبنانية؟ وبالتأكيد أن ما يجري على الساحة اللبنانية غير منعزل عن كل الاهتزازات الجارية بالمنطقة، بل يمكن القول ـ وهذا ليس جديدا ـ ان الساحة اللبنانية هي ساحة تجريب مختلف الاستراتيجيات وسيناريوهات هذا النظام الإقليمي أو ذاك.

على أن مثل هذه "الخاصية" أو هذا الوضع، كان في لبنان أو في غيره، لا يشفع لأي تنظيم أو جماعة أو مجموعة في استعمال خطاب التعويم والافتراء على جماعات ومجموعات أخرى بمواقف و"مساندة" لم تعلن عنها ولم تتبناها.

فقبل فضيلة المساندة والتضامن، هناك فضيلة النزاهة والوضوح التي من المفروض معها أن يعرف الرأي العام ما هي هذه "المقاومة" ومن هم هؤلاء "المقاومون" وماذا "يقاومون" في العراق، وما هي وضعية"حزب الله" وماذا "يقاوم" في لبنان؟

أما فلسطين التي نظمت انتخاباتها التشريعية بمشاركة كل الفصائل الفاعلة، بما فيها "حماس" وما عدا "الجهاد الإسلامي" المعروف بارتباطاته مع إيران، فإنها تحررت من الحجر والوصايات منذ أن رفعت ثورتها العاقلة المتعقلة شعار "القرار الفلسطيني المستقل"، القرار الذي يرفض المزايدات المجانية والشعارات الجوفاء والاملاءات المغرضة.




تابعونا على فيسبوك