بين الحياة والموت تعيش السعدية كيال، التي لايتجاوز عمرها العشرون ربيعا، تبدو كعجوز في عقدها الستين، طمس مرض السرطان الجلدي، ملامح وجهها الجميل مند أن بلغت سن الرابعة.
كانت بريئة ولازالت، ولأزيد من 16 سنة تعاني الأمرين مع هذا المرض المزمن، طرقت جميع الأبواب لمساعدتها على تحمل مصاريف العلاج والفحوصات الباهظة، لكنها لم تجد من مجيب سوى بعض أيادي المحسنين التي تمتد لها من حين إلى آخر .
" الصحراء المغربية " التقت بالسعدية وشقيقتها، التي تكبرها بأربع سنوات، وحكتا بكل مرارة معاناتهما مع المرض، السعدية تعاني من المرض وتبعاته وآلامه وشقيقتها ميلودة تعاني من التنقل اليومي برفقة السعدية بين مستشفيات الدارالبيضاء وطلب المساعدات المادية والعمل هنا وهناك لإعالتها.
تكتري الشقيقتان السعدية وميلودة، غرفة صغيرة بأحد البنايات بمنطقة درب غلف، بمبلغ 700 درهم شهريا، وحيدتان تركتا العائلة بمنطقة الشماعية نواحي مراكش، منذ 10 سنوات لتستقرا بمدينة الدار البيضاء، المرض المزمن الذي أصاب السعدية، أفقدها وأفقد شقيقتها جميع المعاني الجميلة للحياة.
بوجه مشوه وملامح لا تكاد تعرف منها العينين أو الأنف أو الفم، وكأن المحيا شكل دائري، بني اللون، لا تستطيع النظر إليه، المرض نهش جميع ملامحها وأفقدها البصر.
تقول ميلودة شقيقة السعدية، البالغة من العمر 24 سنة، إنها "باعت الغالي والنفيس في سبيل معالجة شقيقتها الصغرى، وضحت بدراستها وبزواجها وسعادتها لإعالتها والسهر على مراعاتها"، فالأطباء أخبروها أن هذا المرض الذي أصاب شقيقها الأكبر وشقيقتهما الكبرى خديجة سابقا، وأودا بحياتهما قد يودي بحياة السعدية دون رحمة إذا لم تتلق العلاجات والأدوية اللازمة.
تقول ميلودة "أنفق في اليوم تقريبا 500 درهم، تتوزع بين الفحوصات والأدوية، وبين الأكل الصحي الذي يصفه الأطباء لها، فشقيقتي ضعيفة جدا ولا يمكنها أن تخرج للشارع بمفردها أو تذهب لأي مكان، أو تقضي احتياجاتها الخاصة، أولا لأن المرض أفقدها بصرها بالكامل، وثانيا لأن المرض الذي تعاني منه يجعلها لا تتحمل أشعة الشمس أو رياح البرد، فهي حساسة جدا للعوامل الخارجية ولا يمكنها أن تعيش بمفردها".
طرقت السعدية وشقيقتها وعلى مدى 12 سنة جميع الأبواب، خاصة الجمعيات التي تعنى بمساعدة هذه الشريحة من المرضى، لكنهما لم تجدا من مجيب، قد تصادفان بين الفينة والأخرى بعض المحسنين الذين يمدون لهما يد المساعدة، لكن ميلودة تنكب على العمل في المقاهي أو خادمة في البيوت أو أية مهنة من المهن المؤقتة لتعيل شقيقتها، فهي فلا تملك عملا قارا.
ما يزيد من معاناة ميلودة والسعدية، هم الجيران فقد غيرتا مقر سكنهما لأكثر من 50 مرة بسبب نظرات الازدراء التي تتلقانها منهم.
كما أنهما تعيشان حياة لا يمكن وصفها سوى بـ "المزرية والبئيسة" لضعف الإمكانيات المادية. في الغرفة الضيقة تدبران حياتهما، وبالغرفة نفسها تجري عملية الطهي وهي أيضا فضاء للنوم.
وهذا يؤثر أكثر على السعدية التي تحتاج بشرتها بشكل مستمر للأوكسجين والجو النظيف، لكي لا تتأثر بالطفيليات. تقتاتان على مساعدة المحسنين ومساعدة والديهما الطاعنيين في السن، فأبوهما يعمل فلاحا ووالدتهما فقدت بصرها من شدة حزنها على أولادها الثلاثة.
أما والدهما فلم تعد صحته تمكنه من العمل وتوفير المال الكافي لمساعدة فلذتي كبده خاصة المريضة السعدية، التي تلزمها من حين لآخر عملية جراحية لإزالة التشوهات التي يسببها المرض.
تقول ميلودة "منذ أن أخبرني الأطباء الذين عاينوا الحالة المرضية لشقيقتي الصغرى، أنها تعاني من مرض سرطان الجلد الوراثي، الذي أصاب بشرتها، كما سبق وأصاب شقيقتنا وشقيقنا، لم يهدأ لي بال ولم يغمض لي جفن، جمعت حقائبنا وتوجهت بها نحو مدينة الدار البيضاء، لتتلقى العلاج الضروري، أخاف كثيرا أن ينتهي بها الأمر إلى الموت، أو أن تصاب بالتعفن كما جرى لشقيقتي الكبرى خديجة، رحمها الله.
في كل صباح أصاب بالذعر قبل أن أوقضها، أخاف أن أفقدها، أحبها بشكل لا يوصف وأتألم ألف مرة لمعاناتها الشديدة" ومضت قائلة "ما يؤرقني أكثر ويزيد من معاناتها هو غياب التغطية الصحية لهؤلاء المرضى من صنف شقيقتي، التي باتت تحتاج كل شهر لمبلغ 2000 درهم كمصاريف للفحوصات والأدوية التي توقف نزيف الألم والروائح الكريهة التي تنبعث من بشرتها" .
"ففي كل مرة ـ تحكي ميلودة ـ علينا أن ندفع 100 درهم كمقابل لزيارة الطبيب في مستشفى 20 غشت بالدارالبيضاء، وقد يصل المبلغ كل أسبوع إلى 300 درهم لأن مرض السعدية ليس له موعد محدد، فقد تنتابها نوبات الألم كل يوم أو كل يومين وعليها أن تزور الطبيب باستمرار ليكشف عليها.
بعد زيارة الطبيب يأتي دور الكشف الطبي والأدوية الباهظة الثمن، ففي مرات عديدة نجلس أنا وهي حائرتان، أمام الباب الرئيسي للمستشفى، نبكي بحرقة ونفكر في مصدر نجلب منه المال، لندفع هذه التكاليف".
طوال الثلاث ساعات التي قضيناها برفقة السعدية وميلودة، لم تنبس السعدية ببنت شفة، تنغمس في البكاء كلما تحكي شقيقتها عن معاناتها، في المستشفى وفي الغرفة التي تكتريانها، وتحمل نظرات الجيران والمارة في الشارع.
لكنها نطقت أخيرا لتقول "أحمد الله أنني فقدت بصري لكي لا أرى نظرات الشفقة ونظرات الازدراء من حولي، فأغلبية من ألتقي بهم من ممرضين ورؤساء جمعيات، ينظرون لي بكل شفقة ومنهم من لا يستطيع تحمل الرائحة الكريهة التي تنبعث من وجهي كلما تأخرت عن أخد أدوية "الميكروبات" التي يصفها لي الطبيب بسبب ثمنها المرتفع أو عدم وجودها بالمستشفى".
ترفع السعدية وميلودة يوميا أكفهما إلى الله متضرعتين، لتجدا من يحسن إليهما ويرفق بحالهما، أو يساعد السعدية على تحمل تكاليف الفحوصات والعلاجات الباهظة الثمن.