خلفيات الدفاع والطعن

الثلاثاء 13 يونيو 2006 - 14:15

رافق إقرار نمط الاقتراع باللائحة في الانتخابات التشريعية المقبلة كثير من الجدل بين القبول المتحمس والرفض العنيف لهذه التجربة التي تعتبر جديدة في الحقل السياسي المغربي، إذ لم يجر العمل بها إلا في انتخابات 2002، كما الأحزاب نفسها جديدة في النظام السياسي الم

في المغرب بدأ العمل بالاقتراع الفردي منذ أول التجارب الانتخابية في مطلع الستينات من القرن الماضي، في توافق مع التشكيلة الاجتماعية المتسمة بطابع الروابط الأسرية والعشائرية والقبلية، بما أبقى نمط الاقتراع باللائحة خارج نطاق مطالب مجمل القوى السياسية التي ركزت انتقاداتها خلال المعارك الانتخابية السابقة على سلوك الإدارة.

واستفادت، بالمقابل، من "مزايا" الاقتراع الفردي، رغم أنه يغيب عمليا الحزب وبرنامجه السياسي، وتبرز صورة الفرد المرشح، المستندة إلى عوامل الجاه والمكانة الاجتماعية وطبيعة العلاقة مع السلطة.

هل يعني الخلاف حول نمط الاقتراع، الذي عبر عن ذاته في التعارض المعلن بين المعسكر المدافع عن اللائحة والآخر المتمسك بالنمط القديم، حدوث نقلة نوعية في الحقل السياسي المغربي، في اتجاه فرز قطب حداثي وقطب تقليدي؟ هذا الطرح، الذي يظل افتراضيا، قد تنقضه طبيعة المشاورات و"المساومات" حول نمط الاقتراع.

فسواء داخل أحزاب "الكتلة الديموقراطية" أو في "العائلة الحركية" المشاركين في الأغلبية الحكومية، أو في معسكر "الوفاق" المعارض، لم يتبلور اتجاه واضح لفائدة نمط أي من الاقتراعين.

كما يطرح موضوع "الكوطا" المخصصة للنساء أسئلة بشأن المغزى والجدوى من هذا "التمييز الإيجابي" لصالح المرأة، حيث يرى الباحث محمد ضريف ضرورة الأخذ به لتسهيل شروط ولوج النساء إلى المؤسسات المنتخبة، بينما تقتضي الديموقراطية، من حيث المبدأ، تكافؤ الفرص والاحتكام إلى قرار الناخب.

هذه المعطيات حول الواقع المغربي تطرح سؤال النشأة والسياق للتشكيلات السياسية كإطار لتنظيم الصراع وتدبير الخلاف والاختلاف، فمن الناحية النظرية والسوسيولوجية يشكل الحزب، كإطارتنظيمي، تعبيرا عن طبقة، أو مجموع طبقات اجتماعية، تجمعها محددات وقواسم مشتركة تشكل البرنامج السياسي المعبر عن مشروعها المجتمعي.

وفي أوروبا، حيث تبلورت الأحزاب تاريخيا، ارتبط ظهور التشكيلات السياسية، كإطار للتنظيم السياسي في أفق ممارسة الحكم، ببروز الطبقة البورجوازية بداية من نهاية القرن الثامن عشر، في الصراع مع الفيودالية، فجاء الحزب إطارا تنظيميا معبرا عن طبقة تربطها وحدة المصالح وتحمل فئاتها التطلعات السياسية نفسها وتجمعها مرجعية إيديولوجية موحدة.

وبعد أن استولت البورجوازية على السلطة أفرز الصراع وتناقض المصالح أحزابا معارضة معبرة عن تطلعات الفئات الدنيا الممثلة أساسا بالطبقة العاملة في المجتمع الصناعي الناشئ.
أما في الحالة المغربية، كما في غيرها من البلدان العربية، وفي مجمل بلدان الجنوب الخارجة عن التصنيف الأوروبي، فلم تخضع نشأة الحزب السياسي للسيرورة نفسها الاجتماعية والسياسية، ويشدد الدارسون، مثل الفرنسي ريمي لوفو، والمغربيين عبد الله العروي وعبد الله حمودي، على أن الأحزاب في المغرب لم تأت نتيجة لتطور سياسي واجتماعي داخلي، بقدر ما تحكمت في نشأتها عوامل خارجية.

وفي جميع الأحوال ولدت الأحزاب السياسية في المغرب محملة برصيد العلاقات الاجتماعية لبيئتها المطبوعة بـ"عصبية" القبيلة، القائمة على التبعية للزعيم أو القايد أمغار بالأمازيغية، في مواجهة الآخر، وعلى تراتبية الزاوية المطبوعة بخضوع المريد للشيخ .

بالتعريف الدستوري لوظيفتها السياسية والاجتماعية، يفترض أن تمثل الأحزاب مدرسة للوطنية والمواطنة والأداة المثلى لتربية المواطن على حس المشاركة في الشأن العام وممارسة العمل السياسي في بعده الإيجابي النبيل.

ويفترض أن يشكل نمط الاقتراع، الذي يأتي بعد إقرار القانون الجديد للأحزاب، محطة من أجل نقلة في العمل السياسي، إلا أن الأمر يبقى رهينا بمدى قدرة التشكيلات السياسية على تفعيل القانون الجديد وعلى الانخراط في مشروع التجديد والتطوير وإحداث قطيعة مع تراث ثقيل من الممارسة السلبية، في أفق خلق ثقافة سياسية جديدة تؤطر العمل السياسي والعلاقات داخل الأجهزة القيادية ومع التنظيمات الإقليمية والجهوية، فضلا عن الامتدادات الأفقية لهذه الثقافة عبر المنظمات القطاعية والمجالس المنتخبة.




تابعونا على فيسبوك