أكد وزير التشغيل والتكوين المهني مصطفى المنصوري أن "المغرب وللسنة الثانية على التوالي يغيب عن لائحة الشكايات التي ترفعها النقابات، ضد حكوماتها خلال الاجتماعات السنوية لمنظمة العمل الدولية".
وأوضح مصطفى المنصوري، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، مساء أول أمس الاثنين، لدى وصوله إلى مطار محمد الخامس الدولي عائدا من جنيف، حيث ترأس اجتماعا للمجموعة العربية للتنسيق بصفته رئيس مؤتمر العمل العربي، أن "المغرب أصبح نموذجا يحتذى في اجتماعات اللجان المتعددة لمنظمة العمل العربية، التي لا تزال مسترسلة حتى اليوم بجنيف ".
وأشار إلى أن اجتماعات المنظمة العربية، تميزت في الأسبوع الفارط بعرض تقارير عن مختلف التجارب العربية حول مواضيع ذات الاهتمام المشترك، من قبيل مسألة محاربة تشغيل الأطفال وضمان الصحة والسلامة في أوساط العمل والحرص على توفير العمل اللائق.
وأكد رئيس مؤتمر العمل العربي أن قضية العمال الفلسطينيين، شغلت حيزا مهما من مداولات اجتماع المجموعة العربية للتنسيق المنعقد، في إطار مؤتمر العمل الدولي الخامس والتسعين، إذ دعت الوفود العربية المشاركة إلى تقديم المزيد من الدعم للقضية الفلسطينية والمقاولين الفلسطينيين الصغار، وإدانة كل الأعمال الوحشية واللاإنسانية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين العمال الفلسطينيين من العيش الكريم، والرفع من تمثيلية النقابات الفلسطينية داخل منظمة العمل الدولية
وسجل بالمناسبة الرسائل المؤثرة التي حملتها شهادات حية تقدم بها ممثلو فلسطين، "إذ عبروا عن معاناتهم الشديدة تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، وعن المعاملات الهمجية للكيان الصهيوني، وشكل الاجتماع مناسبة لحث منظمة العمل الدولية على مساعدة الشعب الفلسطيني بكل ما لديها من وسائل وأدوات، ودفعها للقيام بتحريات في الأراضي المحتلة للوقوف على ما يجري داخلها من خروقات لحقوق الإنسان .".
وقال في هذا الصدد إن "أهم شيء خرجنا به بالمناسبة هو الاتفاق على تنظيم يوم للشعب الفلسطيني داخل مقر منظمة العمل الدولية بجنيف، وفي مبنى الأمم المتحدة, وستلتقي خلال هذا اليوم كل الفعاليات العربية لمساندة الشعب الفلسطيني للتنديد بمختلف صور التعذيب والتنكيل والحرمان والعزل والتجويع التي يلجأ إليها المحتل الإسرائيلي.".
ومن بين أبرز النتائج التي أسفر عنها اجتماع جنيف، ذكر المنصوري بإصدار ممثلي الدول العربية« لتوصية تحث منظمة العمل الدولية على استعمال اللغة العربية كلغة رسمية بهدف تحقيق تواصل فعال مع الدول العربية، مع حث المدير العام للمكتب الدولي للشغل على منح مزيد من الحظوظ للأطر العربية لشغل مناصب في دواليب المنظمة، نظرا للحضور العربي الباهت جدا .".
وعما إذا طرح مشكل تمثيلية النقابات المغربية كالعادة في اجتماعات جنيف, قال الوزير "لقد قررنا اعتماد التناوب في ما بين النقابات منذ سنة 2000، وبذلك ففي كل سنة تترأس مركزية نقابية معينة الوفد العمالي المغربي بصفة ديموقراطية، وجاء هذه السنة دور الاتحاد العام للشغالين بالمغرب للقيام بهذه المهمة .".
وذكر بالدور الذي تقوم به المجموعة العربية للتنسيق، مشيرا إلى أنها "تجمع بين بلدان لها اختلافات في جوهر نظامها الاجتماعي والاقتصادي، إذ نجد بلدانا تتوفر على نقابات حاضرة، قوية ومستقلة، وأخرى يظل دور النقابات فيها ضعيفا جدا.".
وتابع أن دور هذه الهيئة العربية، يتجلى في الحث على احترام المعاهدات الدولية وإدخال معاهدات عربية موازية للمعاهدات الدولية بشأن قطاع التشغيل في العالم العربي، منوها بالمناسبة "بالتجربة المغربية التي تكاد تكون فريدة، ويتعلق الأمر بثقافة الحوار الاجتماعي التي دشنها المغرب منذ سنوات ويعمل بها بصفة دورية، والتي تجمع أطراف الحوار الثلاثة، خلافا للتقاليد التي سارت على نهجها العديد من البلدان العربية التي لا تتيح سوى مخاطب واحد ووحيد للفض في نزاعات الشغل.".
ولم تفت المنصوري الإشارة إلى أن دور منظمة العمل العربية استشاري لا أكثر، ينصب على تقنين عالم الشغل وتقديم النصائح للدول العربية في قضايا ترتبط بمجال التشغيل وبمواضيع أخرى ذات الصلة، كما تحاول إضفاء صبغة من الاحترام على الاتفاقيات الدولية في مجال الشغل من خلال حث الدول العربية على العمل بها.
من جهة أخرى، قال مصطفى المنصوري إن "المملكة المغربية تعمل باستمرار على نشر ثقافة الحوار، باعتباره الإطار الأنسب لبناء تعاقدات اجتماعية".
وذكر المنصوري، أمام الدورة 95 لمؤتمر العمل الدولي، المنعقدة بجنيف، بأن المغرب، ومنذ أواخر التسعينات وهو يعمل جاهدا على بناء مجتمع حداثي ديموقراطي أهم مقوماته هي تعزيز الديموقراطية، واحترام حقوق الإنسان وتكريس الحريات الفردية والجماعية، ومبادئ الحوار الاجتماعي بين كل الفاعلين الاجتماعيين.
وبعد أن أشار إلى أن عمل الأطفال، الذي حظي باهتمام خاص من طرف منظمة العمل الدولية هذه السنة، وأضحى على جانب كبير من الأهمية على مستوى المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، أبرز المنصوري المجهودات التي تبذلها الحكومة في هذا المجال
وشدد في هذا السياق، على العديد من الإجراءات التي بادرت الى اتخاذها الحكومة في مجال حماية الطفولة بصفة عامة، والطفل في العمل بصفة خاصة.
وأضاف أن هذه الجهود، توجت بوضع خطة عمل وطنية لحماية الطفولة، والتي تندرج ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي تهدف الى معالجة المعضلة الاجتماعية.
وحسب المنصوري، فإنه إذا كانت منظمة العمل الدولية، تولي عناية خاصة بتكريس مفهوم العمل اللائق والتخفيف من حدة الفقر، فإن ذلك لن يتأتى نظريا، إلا من خلال مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة.
واعتبر المنصوري، بخصوص إشكالية العمل غير اللائق، أن هذا العمل له أسباب وأبعاد متعددة منها على الخصوص ارتباطه بظاهرة الفقر وظاهرة العمل الجبري، إضافة إلى كونه مشكل تعانيه الكثير من الدول، ولاسيما الدول السائرة في طريق النمو.
وأوضح المنصوري أن محاربة العمل غير اللائق، تتطلب ردا جماعيا من كل الفاعلين والشركاء، حكومات وأرباب عمل ومنظمات جهوية ومنظمات دولية للعمل، لأن الفقر وضعف الإمكانيات المادية والبشرية، هي التي تدفع الدول أحيانا إلى التغاضي عن انتشار هذه الظاهرة.
ومن هذا المنطلق, قال المنصوري, إن المملكة المغربية بادرت إلى تكريس العمل اللائق، وذلك من خلال الانخراط في برنامج العمل اللائق في قطاع النسيج والألبسة، الذي يشكل أحد أهم مكونات النسيج الاقتصادي والاجتماعي الوطني.
كما أنها تهدف إلى توفير شروط العمل اللائق في كل القطاعات الإنتاجية والسياسات العمومية والتنموية.
وأشار المنصوري إلى أنه، وإلى جانب ثقافة الحوار، حرص المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على جعل موضوع حقوق الإنسان أيضا ضمن أولويات حكومة المملكة، مذكرا بالمبادرات التي اتخذت في هذا المجال خاصة نشر تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة التي أحدثت سنة 2003 .
وأضاف أن هذا التقرير، تضمن عدة توصيات همت استقلالية القضاء، بالإضافة إلى التنصيص على استراتيجية وطنية، تهدف إلى وضع حد لمفهوم الحصانة بحيث يجب على الجميع أن يخضع للقانون.
وأكد كذلك على أهمية تعيين المغرب عضوا في اللجنة الأممية لحقوق الإنسان، مضيفا أن المملكة، ومن أجل تعزيز توفير الحماية الاجتماعية لكل المواطنين، عمدت إلى اتخاذ تدابير همت على وجه الخصوص اعتماد نظام التأمين الإجباري عن المرض والذي يجسد المضمون الفعلي للاقتصاد التضامني وتكريس أحد الحقوق الأساسية للإنسان بالمغرب، ألا وهو الحق في الصحة .
وفي ميدان التشغيل، أشار المنصوري إلى الإجراءات العملية، التي تهدف الى القضاء تدريجيا على آفة البطالة، وأهمها بالخصوص إجراءات إنعاش العمل المأجور، لفائدة الشباب حاملي الشهادات، وتشجيع إحداث المقاولات.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس مؤتمر العمل العربي مصطفى المنصوري، عقد خلال ترؤسه لاجتماع المجموعة العربية للتنسيق بجنيف، مباحثات مع عدد من نظرائه العرب والأوروبيين، ومع المدير العام لمنظمة العمل الدولية، انصبت على العلاقات الثنائية خاصة في مجالي التعاون التقني، وبحث عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.