دولة الإبداع في فاس تسعى إلى أنسنة كائن اسمه الإنسان

الأحد 04 يونيو 2006 - 15:42
شعوب وقبائل في

وجدت فاس لأن قبيلة أوربة فتحت صدرها لوالد مؤسسها واحتضنته، وفعلت المثل مع المولى إدريس الثاني فبنى مدينة فاس.


فلسفة الانفتاح على الآخر، قبول الآخر، والتفاعل معه حاضرة بقوة في لقاءات فاس
لم يحرق زوار المهرجان جوازاتهم، أو بطاقاتهم ليؤكدوا انتماءهم إلى دولة واحدة "دولة الإبداع"، أو "دولة الإنسانية".

في هذه الدولة التي قلنا، إن اللغة فيها ليست عائقا والجنسية والدين ليسا امتيازا أو عائقا، يسعى الكل إلى أنسنة هذا الكائن الذي يمشي فوق البسيطة، يشتغل ليأكل وينام ويتطلع إلى فرض هيمنته على الآخر.

في فاس، كن من تشاء، تكلم أي لغة تشاء، واعتنق الديانة التي تشاء، ولن يرفضك أحد
لست، كما الآخر، في حاجة إلى تغيير دينك وهويتك لتكون مقبولا من طرف الآخر، مقبول أنت كما أنت، مقبول رغم كونك ما تشاء .

الإنسان هو محور لقاءات فاس، التي تنشد نفخ روح التآلف في العولمة، عولمة الإنسان عله يعود إنسانا في سلوكه اليومي في تعامله مع الآخر.

إنسان يقدر القيم، الروحية الاقتصادية، وإنسان لايهاجم الآخر لأنه مختلف معه، لأن الاختلاف الذي يراه مزعجا له، قد يكون مزعجا للآخر وهو وجه العملة، الذي لايراه
فاس تكرم الأمكنة والأزمنة وتحاول أن تعيد إلى المرء آدميته، التي يفتقدها دون أن يدري، آدمية لايمكن ان يصنعها اللباس الراقي والعطر الغالي، بل الفكر المتفتح والمتجدد.

في إحياء أمكنة قاومت لتعايش أجيالا، تكريم لكفاءات رحلت بعد ان بنت، وفي إحياء السهرات، تكريم لأنامل وأصوات أبدعت، عملت فأحسنت عملها، وإن لم تكن تطلب من اللاحقين "جزاء ولاشكورا".

قبول الآخر واحد من أهم الدروس، مناقشة الآخر، والتفاعل معه هو الدرس الكبير
وحين يكون في مدينة عريقة، وفي بلد منفتح ويعتبر نموذجا لتلاقح الحضارات، تكون كل لحظة عبارة عن درس.

تحدث إلى من حولك في مهرجان فاس تتعلم أشياء كثيرة، تتعلم كيف تتخلى عن عادات سيئة لاتدري أنها كذلك، قد تتحدث إلى من حولك تزامنا مع حفل موسيقي وحين لايجيبك تتعلم أن الحفلات الموسيقية، ليست دائما تنشيفا للآذان، بل هي تهذيب للروح وتربية و
تتحدث إلى أمينة فاسي فهري من اللجنة المنظمة فتتعلم أن الحياة تخطيط، وأن حضور فرقة موسيقية من وراء البحار إلى مدينة فاس التي ليس لها بحر، لكن لها تاريخ ليس وليد مكالمة عبر هاتف محمول.

حفل تسعين دقيقة في "باب الماكينة" يستدعي دوران "ماكينة" الحوار ملايين أو ملايير السنوات الضوئية، وأربع سنوات في حسابنا العادي تتعلم أيضا وأنت تهم بمغادرة البطحاء أن الذين استيقظوا مبكرين ليكونوا في ذلك المكان قبل الثامنة والنصف، وما أدراك ما الثامنة والنصف يومي السبت والأحد، لم يعودوا كما جاؤوا، كانوا في لحظة صفاء لاتقدر بثمن، لحظات يطرح فيها المرء ما يعرفه لكن دون ان يفقده، يتلقى فيها معارف الآخر دون أن تسلب منه الحرية ثم الحرية ثم الحرية.

هناك تركيز كبير على حرية الآخر، لأن ما يفرض بالقوة لايحقق المبتغى، والمبالغة في الهيمنة في أي مجال سواء دينيا أو ماديا غالبا ما تقود إلى ما لاتحمد عقباه، هكذا وبلغة لاتينية تنساب من فم امرأة مجربة فم إليزابث غيغو المستشارة السياسية السابقة للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران والوزيرة السابقة، كلمات تجعلك تغار من نفسك لأنك مغربي، تغار لأنك تعيش أشياء ربما لاتقدر قيمتها، تعيش الوسطية والاعتدال وتقوى على ان تكون ما تريده.

"بورت غين" صفة سمعها الكثيرون لأول مرة، ولم يمنع شدو الطيور "الفرحانة" بحرارة فاس من الاستمتاع بالشرح، فهي تعني تلك الفئة من الشباب التي تنغمس في عالم اللذة عالم المخدرات والخمر ووفجأة تجد نفسها منغمسة في النقيض عالم الدين حتى التطرف، ربما تكره من لايسايرها وهي تتخدر وتكره من لايسايرها وهي متطرفة، تكره وهي ذات لون ما، وتكره حين تتحول إلى النقيض متى تحب ياترى؟ لماذا لانحب قبل أن نكره، أو على الأصح علينا أن نحب دون أن نكره .

إنه الدرس الآخر وليس الأخير مهرجان فاس ليس فقط نغمة تشنف الأذن، وليس طبلة تهز الأجساد، كلما قرعت إنه مهرجان دروس يتلقاها المرء ولايستدعى للاختبار، لأن له الحق في الاختيار، أن يغادر الموقع كما جاء أو أكثر مما جاء، وأن يحترم الآخر ذاك هو الرجاء.




تابعونا على فيسبوك