سجناء غادروا زنازنهم للحظات ليتواصلوا مع المواطنين

محاضرات وقصائد شعرية أسالت دموع الحاضرين

الأربعاء 31 ماي 2006 - 16:02
زليخة نصري في ندوة حول ادماج السجناء بعد خروجهم (الصديق)

بعيون متفحصة جالت نظراتهم جنبات ومدخل المركب عند مغادرة السيارة التي أقلتهم تحت حراسة موظفي السجن ورجال الأمن.

كان عددهم ستة، اصطفوا فوق منصة قاعة المحاضرات للمركب الثقافي أنفا، ببذلاتهم الأنيقة وأربطة العنق الكلاسيكية، استقدم اثنان منهم من سجن القنيطرة، بينما الآخرون نزلاء السجن المحلي عكاشة.

المناسبة تظاهرة "تواصل مع السجناء" التي تنظمها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، تحت شعار "التربية والتكوين أداة لإعادة إدماج السجناء" إلى غاية 3 يونيو الجاري، واختيار مواضيع المحاضرات لم تخرج عن فلسفة المؤسسة وتوجهاتها وأهدافها، فالنزيل العربي الشرتي تناول في مداخلته التي ألقاها باللغة الفرنسية، موضوع دور الأنشطة الثقافية في التأهيل لإعادة الإدماج، وهي المداخلة التي انطلقت من الدور الذي باتت تلعبه المؤسسة في تشجيع الدراسة والتحصيل والتكوين، وجعلت المؤسسات السجنية تنفتح على محيطها الاجتماعي، إلى جانب الدور الذي تلعبه بعض مؤسسات المجتمع المدني، وركز على مسرحية "السيدا يا سادة"التي ألفها وأخرجها السجين عبد المجيد بنسودة وأدى أدوارها نزلاء سجن عكاشة بالدار البيضاء، وشرح كيف أن عملا مسرحيا فتق وكشف العديد من المواهب والطاقات سواء على مستوى الإخراج، أو الديكور والأغاني التي تخللت فصول المسرحية، وما رافق ذلك من كتابة الكلمات وتلحينها، واستشهد النزيل العربي الشرتي، بمستوى أداء النزلاء للمسرحية التي عرضت بعدد من السجون والمركبات الثقافية، وهي نفسها التي ستعرض يومه بالمركب الثقافي أنفا في إطار فعاليات تظاهرة "تواصل مع السجناء"لعزيز بوراس نزيل السجن المركزي بالقنيطرة، وصاحب ثلاث دراسات، أنجزها داخل السجن، والحائز إجازتين، الأولى في القانون والثانية في الآداب، ويتهيأ لنيل إجازة ثالثة في علم الاجتماع، اختار موضوع "سجناء الحق العام ومغامرة الإبداع" ليبقى لصيقا بمن عاشرهم لعدة سنوات، ومنشغلا بإبداعاتهم.

محاضرة "سجناء الحق العام ومغامرة الإبداع" تناول فيها لعزيز بوراس الأجناس الأدبية التي تستهوي السجناء وكان الشعر والزجل حسب ما رصدته دراسته هو الجنس الأحب إلى قلوب السجناء واستحضر تجربة المفرج عنه بعفو ملكي خاص، محمود بلفقيه الذي أصدر ديوانه "فوضى التعري" تضمن قصائد نظمت داخل أسوار السجن المركزي.

استعرض بوراس الأجناس الأخرى التي يختارها السجناء للتعبير عن مشاعرهم وهمومهم وآمالهم، وكانت القصة القصيرة والزجل من أهم الأجناس التي يبدع السجناء في إطارها، مستحضرا إبداعات الزجال أبا حدوش حسن، نزيل سجن القنيطرة، وما يسكبه من معاناة في قصائده التي راقت الزجال المغربي الطيب لعلج، حين استمع إليها خلال زيارة بعض الفنانين المغاربة لسجن القنيطرة، وكشفت محاضرة بوراس انعكاسات الزيارات، الملكية لمجموعة من السجون، على نفسية ومخيلة السجناء فخرجت قصائد شعرية وزجلية تمجد خطوات صاحب الجلالة وتعكس فرحة هؤلاء بتلك الزيارات وما رافقها من تحسين لأوضاع النزلاء.

وحول موضوع "المجتمع المدني والقطاع الخاص، أي دور في تفعيل الرعاية اللاحقة للسجناء المفرج عنهم" كانت مداخلة السجين أحمد الطاهري، نزيل السجن المركزي في القنيطرة، التي أشارت إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه مراكز الرعاية اللاحقة التي أعطى صاحب الجلالة في أكتوبر 2003 ، انطلاقة العمل بواحد من هذه المراكز التي أسست بمركز الإصلاح والتهذيب بعين السبع، قبل أن يدشن جلالته مركزا ثانيا بالدار البيضاء أول أمس الثلاثاء.

واعتبر الطاهري المجتمع المدني حلقة أساسية في احتضان السجناء المفرج عنهم، وأفرد جزءا من مداخلته للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، معتبرا أنها متنفس جديد قد يساعد في إيجاد وسائل وبرامج يستفيد منها المفرج عنهم باعتبارهم جزء لا يتجزء من المجتمع.

الأمسية التي ألقيت خلالها هذه المحاضرات وحضرها محمد عبد النبوي مدير إدارة السجون وإعادة الإدماج، وآسية الوديع عضو المجلس الإداري لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، إلى جانب عامل صاحب الجلالة على عمالة أنفا، ومحمد عزرية مدير سجن عكاشة، أثثتها قصائد شعرية وزجلية أسالت دموع الحاضرين، كما كشفت عن مواهب حقيقية، فجرتها تجربة السجن والاعتقال، وكانت أولى القصائد التي ألقيت بهذه المناسبة، للسجين عبد المجيد بنسودة صاحب مسرحية »السيدا يا سادة« واختار من قصائده تلك التي تتناول موضوع المبادرة الملكية للتنمية البشرية، أما السجين مصطفى بنحاسو صاحب الإلقاء الذي يذكر بالشاعر محمود درويش، فقد اختار قصائد بموضوعات مختلفة وكانت واحدة تتحدث عن أحداث 20 يونيو، وأخرى تحت عنوان إلى من يهمهم الأمر، إلى جانب قصائد أخرى نالت إعجاب الحاضرين.

الصايغ جعفر وقف فوق المنصة لإلقاء قصائده الزجلية، بشعره الأسود المنسدل على كتفيه، ما يذكر ببعض ملامح عبد الرحمان المجدوب، وربما فعل ذلك لضرورة التمثيل، فهو أحد شخوص مسرحية "السيدا يا سادة"

قصيدة"سامحيني يا لميمة" أثرت في نفس كل من حضر الأمسية، وأسالت دموع أمهات السجناء اللواتي حضرن الحفل، كما أبكت العديد من الآباء، بل ألبت مواجع السجناء الذين كانت مدد العقوبة الصادرة في حقهم تحاصرهم.




تابعونا على فيسبوك