ما تزال زراعة الأعضاء بالمغرب في بداياتها الأولى، بسبب إحجام أهالي المتوفين دماغيا عن التبرع بأعضائهم لفائدة مرضى يشكون من الفشل العضوي من جهة، وبسبب الفراغ أو الغموض القانوني الذي يكتنف بنود قانون زراعة الأعضاء بالمغرب من جهة أخرى.
حول هذا الموضوع، حاورت "الصحراء المغربية" الدكتور بدر الدين واكريم، أحد أفراد فريق جراحة القلب في مستشفى ابن طفيل بمراكش، ليطلعنا على المزيد من المعلومات حول زراعة الأعضاء في المغرب.
ويؤكد أطباء مغاربة، على أن المغرب لا يستفيد من حالات المتوفين دماغيا، أغلبهم جراء حوادث الطرق، مما يجعل المجتمع يخسر مرتين، مرة بسبب تنامي حوادث السير، ومرة بسبب ذهاب أعضاء هؤلاء المتوفين سدى.
٭ نظمتم أخيرا، رفقة فريق جراحة القلب بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش، لقاء تواصليا حول موضوع زراعة الأعضاء في المغرب. ما أهمية هذا الموضوع في نظركم؟
ـ إن موضوع زراعة الأعضاء في المغرب، يعتبر بالأهمية بمكان، لكون هذا النوع من التدخلات الجراحية، يكفل للمريض تحسين جودة حياته إلى اقصى حد ممكن، وتخفيف العبء المادي الذي يتكبده في سبيل العلاج من أحد الأمراض المزمنة.
فزراعة الأعضاء، تنقد حياة العديد من المرضى الذين يعانون من الفشل العضوي والذين وصلوا إلى المراحل الأخيرة من المرض، لا سبيل لبقائهم على قيد الحياة، سوى تعويض العضو المريض بعضو آخر.
ويأتي تنظيم هذا اللقاء حول زراعة الأعضاء في المغرب، للتعريف بالموضوع أولا كتقنية طبية حديثة يعمل بها في المغرب، وثانيا لعرض نتائج استطلاع الرأي التي توصل إليها الفريق المنظم، حول مدى معرفة الشعب المغربي بهذا الموضوع ونوع المعرفة التي لديه، إلى جانب عرض مختلف المعوقات التي تعرفها زراعة الأعضاء في المغرب، من خلال تبادل المعلومات والخبرات مع مختصين أجانب وعرب شاركوا في اللقاء.
٭ حدثنا إذن عن هذه المعوقات؟
ـ هي معوقات كثيرة، لكن يمكن تلخيصها في ثلاث محاور كبرى، الأول والأساسي هو المعوق القانوني، بحيث أنه بالرغم من خروج قانون زراعة الأعضاء في المغرب أخيرا، بعد المطالبة المتكررة للأطباء، إلا أنه لا يزال قانونا غير ذي جدوى كبيرة، للغموض الذي يلبس أغلب بنوده.
ولأقدم صورة أكثر وضوحا، أقول إنه لا يحق قانونا لأي طبيب استئصال أعضاء المتوفين إكلينيكيا، كما هو الشأن عند الوفاة الناتجة عن حادثة سير، لمنحها لمريض في حاجة ماسة إلى تعويض أحد أعضائه الفاشلة لإنقاذ حياته.
والمثير للانتباه أن قانون زراعة الأعضاء نفسه، لا يتضمن نصوصا قانونية تمنع الطبيب من أخذ عضوا متوفى بسكتة دماغية ومنحه لآخر حي.
هذا الغموض القانوني، هو الذي يمنعنا كأطباء من السير قدما في زراعة الأعضاء في المغرب، لكوننا نشعر بأننا غير محميين بموجب القانون من التصرف، لا تجاه المريض الذي ينتظر الموت، ولا تجاه المتوفى اكلينيكيا الذي تذهب أعضاؤه سدى.
فالطبيب يتخوف من المتابعة القانونية، لذلك يظل مكتوف الأيدي في ظل هذا الوضع
أما المعوق الثاني، فيرتبط بتحفظ أهالي الموتى اكلينيكيا من التبرع بأعضائهم لأشخاص آخرين، والمعوق الأخير هو مادي صرف، وإن كان يمكن التغلب عليه، إن توافرت الأعضاء بالشكل المطلوب.
٭ ما هي نتائج استطلاع الرأي الذي أجريتموه حول هذا الموضوع؟
ـ لدينا 86 في المائة من الأشخاص المستجوبين، يعلمون بوجود زراعة الأعضاء في المغرب، و72 في المائة منهم لا يعرفون سوى بزراعة الأعضاء التي تجرى بين شخص حي وآخر حي، فيما يجهل الباقي بأن العملية تهم أيضا نقل الأعضاء من متوفى إكلينيكيا إلى آخر حي.
وهناك أرقام أخرى تثير نوعا من التساؤل حول صدق المصرحين بها، حيث توصل البحث إلى وجود 89 في المائة من الأشخاص الذين يؤيدون إجراء عمليات زرع الأعضاء في المغرب، 83 في المائة يوافقون على أن تجرى لهم زراعة عضو إن وجدوا أنفسهم في حاجة إليه.
و66 في المائة أعلنوا عن استعدادهم للتبرع بأعضائهم، فيما 10 في المائة فقط، قالوا إنهم لا يمكن لهم التبرع بأعضائهم إلا لأقاربهم .
لكن أود أن أثير نقطة مهمة هنا، وهي أن زراعة الأعضاء لا تزال متخلفة جدا في المغرب، ليس من الناحية التقنية، فالأطر الطبية الكفأة متوفرة والتقنيات الطبية اللازمة لذلك أيضا موجودة، لكن الأمر يتعلق فقط بمدى تجاوب الأشخاص معها.
فالذين بدوا إيجابيين مع الموضوع، سرعان ما يرفضون عند الدخول في الترتيبات الطبية من أجل تنفيذ عملية زرع العضو، ويرفضون بالتالي أن يكونوا متبرعين، لذلك نعتبر هذه النتائج، بأنها تحمل الكثير من الوهم، لأنها صعبة التحقق على أرض الواقع بنفس النسب، نظرا للمجاملة التي قدمها المستجوبون.
٭ إذن ما هو موقعنا بين الدول الأخرى في مجال زراعة الأعضاء؟
ـ للأسف ترتيبنا ضعيف جدا، حتى بين الدول الإسلامية والعربية والمغاربية القريبة منا، فالسعودية والكويت ومصر وتونس على سبيل المثال، تعرف زراعة الأعضاء بها تقدما مهما وتجرى بنسب عالية.
أما إن قارنا المغرب بباقي دول العالم، فلا مجال للحديث عن ترتيبنا لأنه مخجل
وحتى أكون عمليا، أذكر بأن المغرب، لم يعرف سوى 200 زراعة كلية، وزراعة واحدة للقلب منذ التسعينات، وعشرات فقط من عمليات زراعة القرنية.
٭ ما الشيء الذي يتخوف منه المشرع للرفع من حالات زراعة الأعضاء في المغرب؟
ـ التخوف البارز هو من أن يصبح المغرب من البلدان التي تتاجر في الأعضاء، كما هو معروف لدى بعض الدول الآسيوية.
لكن هذا ليس مبررا لنترك أعضاء تذهب سدى، ونترك مرضى عرضة للموت في الوقت الذي بإمكاننا طبيا إنقاذ حياتهم.
فالمشرع المغربي، قادر على وضع آليات الزجر والمتابعة، للضرب على أيدي كل من تسول له نفسه استغلال زرع الأعضاء لغاية تجارية.
٭ إذن لا حديث عن بنك تشترى منه الأعضاء في المغرب؟
ـ أولا الأعضاء في المغرب، لا تشترى ولا تباع، وإنما يتبرع بها.
بالنسبة لبنك الأعضاء، هو موجود على الورق فقط، لكن واقعيا منعدم، والمفروض في بنك الأعضاء، أن يعمل بسجل تعطى فيه الأولوية للأكثر احتياجا لعضو من الأعضاء، وللأول قبل الثاني، دون تفضيل واحد على آخر .
٭ ما هي الأعضاء التي يكثر الطلب على زراعتها في المغرب؟
ـ تأتي زراعة الكلي على قائمة الطلبات بالنسبة لمرضى القصور الكلوي، يليها طلب زراعة القرنية لتجاوز مشاكل "الجلالة" المنتشرة كثيرا في المغرب، لكن هذه الأخيرة، غالبا ما يجريها المرضى في دولة تونس لتوفرها على القرنية.
ويتحمل المريض جراء ذلك ما قيمته 20 ألف درهم كثمن لإجرائها، ناهيك عن مصاريف التنقل ونفقات أخرى.
وأشير إلى أن زراعة القرنية، من أسهل التدخلات الجراحية، التي لا تتطلب كفاءة كبرى ولا تقنيات كثيرة، كما أن المدة التي تستغرق زرعها لا يصل إلى ساعة زمن، ومع ذلك فإنها ضعيفة الزرع في المغرب لندرة المتبرعين بها.
حاليا اصبح الطلب على زراعة القلب في تزايد، خصوصا على صمامات القلب
ففي ظل غياب التبرع بصمامات متوفى اكلينيكيا، يستعان بصمامات اصطناعية لإنقاذ حياة العديد من مرضى القلب.
وهذا النوع من الصمامات يكلف المريض 20 ألف درهم كثمن لشرائها، دون احتساب مصاريف الجراحة وما يصاحبها من تحاليل وأدوية تسبق إجراء العملية وتليها، حتى لا يرفض جسم الانسان الصمام الاصطناعي الذي زرع له.
كما أن طلب زراعة الكبد في تنامي ملحوظ، ذلك لأن المغرب يعرف العديد من حالات الإصابة بأمراض التهاب الكبد "ب" و"ج"، الذي يؤدي إلى تشمع الكبد، ولا سبيل للمريض سوى زراعة الكبد أو الموت .
وهناك طلب أيضا على زراعة القلب والرئتين والبنكرياس.
٭ هل هناك أي تنسيق مع قسم الطب الشرعي من أجل الاستفادة من أعضاء المتوفين اكلينيكيا؟
ـ لا يحق للطبيب الشرعي أن يستأصل أي عضو من أعضاء المتوفين على إثر حوادث سير، إذ تنحصر مهمته الأساسية في تشريح جثة المتوفى لتحديد سبب الموت فقط
وبالمناسبة، أكرر أن المغرب بإمكانه التوفر على أكبر عدد ممكن من الأعضاء، لأنه يعرف، للأسف، تناميا في عدد حوادث الطرق.
لكن وإن كان الأمر مؤسفا، لا بد الاستفادة منه، من خلال استئصال الأعضاء والتبرع بها لفائدة مرضى آخرين مشرفين على مفارقة الحياة.
٭ هل لديكم كلمة أخيرة في الموضوع؟
ـ ادعو من خلال جريدتكم المحترمة، جميع المسؤولين والمشرع المغربي، للتعامل بجدية مع موضوع زراعة الأعضاء في المغرب، وتعديل قانون زراعة الأعضاء الحالي من خلال تحديد مسؤوليات الطبيب، حقوقه وواجباته بخصوص هذا الأمر.
فزراعة الأعضاء لا تصنف ضمن العمليات الجراحية التي يمكن الاستغناء عنها، وإنما هي تقنيات طبية تنقذ الأشخاص من الموت أو تحسن جودة حياتهم في حالات أخرى.
وأكد على أن زراعة الأعضاء في غاية الأهمية، توفر على الدولة مصاريف علاج العديد من الأمراض المزمنة الناتجة عن الفشل العضوي، وتخفف عن التعاضديات ومؤسسات الضمان الاجتماعي وشركات التأمين، مبالغ مالية مهمة.
فإن أخذنا مثالا بزراعة الكلي، فإنها تكلف الضمان الاجتماعي والتعاضديات، ما مبلغه 120 ألف درهم سنويا على مرضى القصور الكلوي، في حين لو أخضع المرضى لزراعة الكلية، لكلف ذلك 140 ألف درهم في السنة الأولى التي تلي عملية الزرع وتنخفض إلى 70 ألف درهم فقط في السنة الثانية.