حسن عزوزي مدققا في مواقف المسلمين من العنف

مساهمة متواضعة في تصحيح صورة الذات لدى الغير

السبت 22 أبريل 2006 - 11:54

كيف نزعم أننا نساهم في تصحيح صورة الذات العربية والإسلامية، إذا كانت طبيعة المبادرة موجهة أساسا للمتلقي العربي والمسلم من جهة، وقائمة على تمرير خطاب تبرئة الذات وتساهم على الخصوص في إبقاء أوضاعنا المفاهيمية والفقهية كما هي.

استحضرنا هذا التساؤل ونحن نطلع على ثنايا كتاب أصدره أخيرا الباحث حسن عزوزي ويحمل عنوان "الإسلام وتهمة الإرهاب"، ويندرج ضمن سلسلة "تصحيح صورة الإسلام" مطبعة آنفو برانت فاس الطبعة الثانية 2006.

115 صفحة من الحجم المتوسط توزع العمل على خمسة فصول، وجاءت تحت العناوين التالية : "موقف القرآن والسنة من قضايا الإرهاب والعنف والتطرف"، "نبذ العنف والقوة السلبية في القرآن والسنة"، "عندما يُتَّهَم الإسلام بالإرهاب"، "من يقف وراء الاتهام"، "سياسة التخويف من الإسلام"، "الإسلام دين الأمن والسلام والتسامح"، إضافة إلى مبحث ختامي يحمل عنوان "من أجل مواجهة حملات التشويه".

نقرأ في تمهيد الكتاب، أن العمل "يأتي ليسهم في تصحيح جانب من جوانب تلك الصورة المشوهة للإسلام، التي نضجت بقوة في الأوساط الغربية غداة تفجيرات 11 شتنبر 2001، ويشكل محاولة طموحة لبحث أسباب وخلفيات إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام وهي التهمة التي ترددت طويلا عبر مختلف وسائل الإعلام الغربية في تحد صارخ لمشاعر أكثر من مليار مسلم".

والكاتب بالمناسبة، رئيس تحرير مجلة كلية الشريعة بفاس، ورئيس "مجموعة البحث في مجال تصحيح صورة الإسلام" تذكير بصورة العرب والمسلمين لانقرأ جديدا في الكتاب بخصوص واقع صورة العرب والمسلمين، عندما يشير المؤلف مثلا إلى أن "موجة الحقد والكراهية التي أبداها كثير من الغربيين بعد تلك الأحداث ـ ويتحدث عن اعتداءات 11 شتنبر 2001 ـ لم تقف عند مضايقة واستفزاز مواطنيهم من العرب والمسلمين، وإنما أنجز ذلك إلى اتهام الإسلام ذاته، بأنه يدعو إلى العنف والإرهاب وبذلك اختزل الغربيون الإسلام كله بعقيدته ومبادئه وقيمه في الذين يعتقد أنهم قاموا بالاعتداء على المواقع الحيوية الأميركية".

مضيفا، أن "ما يعرف اليوم في الأوساط السياسية والإعلامية بالإرهاب والتطرف ومشاكل ذلك من مصطلحات تحمل دلالات وإيحاءات سلبية، إنما هي مصطلحات قد صنعت في الدوائر السياسية والإعلامية الغربية، فإن الإسلام له موقف ثابت وصارم في نبذ كل ما يرتبط بلغة العنف من مفاهيم متنوعة كالإرهاب والتطرف".

"يحلو لكثير من السياسيين الغربيين أن يتهموا المسلمين بالميل الشديد نحو العنف والغلو الناتج عن شدة التمسك والتشبث بتعاليم الإسلام "المتشددة" كما يدعون وهذا الاتهام"، برأي المؤلف، "ليس له أدنى أساس من الصحة ويمكن درؤه ورده بأمر بسيط هو التذكير مرة أخرى بأن كثيرا من أحداث العنف والتطرف التي حدثت في بلاد الغرب كان من ورائها رجال دين متطرفون، فما مصرع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين على أيدي متطرف يهودي إلا أكبر دليل على ذلك، ناهيك عن أحداث إطلاق الغازات السامة التي عرفتها أنفاق قطارات طوكيو عام 1995 والتي كان من ورائها متطرفون بوذيون"، مستشهدا بما جاء في كتاب للباحث الفرنسي جيل كيبل يحمل عنوان: "انتقام الرب"، حيث اشتغل كيبل على سرد لائحة بأهم التيارات الأصولية المتطرفة بأميركا وغيرها والتي أثبتت الإحصاءات الحديثة تورطها في كثير من أعمال العنف الدامية.

نؤاخذ على المؤلف تواضع عدد المراجع التي اعتمد عليها في معرض "تفكيك" الصور المروجة عن العرب والمسلمين في مختلف المنابر الإعلامية الغربية، بحيث نطلع في مقال "سياسة التخويف من الإسلام"، المقال الأول من الفصل الرابع ـ على ثماني مراجع فقط تمتد من 1979 إلى 2000 في حين نجد مجموعة من الأدبيات المهمة التي اشتغلت على هذا الموضوع، ونخص بالذكر، دراسة الباحث الجزائري الصادق الموسوم بـ "الإسلام في الخطابات الإعلامية" الفرنسية نموذجاdiscours médiatique LIslam dans le، وقد سبق لمؤلفه أن استعرض خطوطه العريضة في أعداد 27، 28 و29 يوليو 1998 في يومية "القدس العربي" اللندنية، وتقوم هذه الدراسة الرصينة على تقييم تعاطي أسبوعيتي "الإكسبرس"و "لونوفيل أوبسرفاتور" مع الأحداث الثلاثة التالية : قضية سلمان رشدي، الفتيات المحجبات، وصورة المرأة في الإسلام.

بالنسبة للموقف الرسمي الغربي من صدمة تفجيرات نيويورك وواشنطن، فقد كان "موقفا إيجابيا عَبَّرَ عنه كثير من كبار المسؤولين الغربيين الذين سارعوا إلى طمأنة المنظمات الإسلامية وإبداء تفهمهم لتخوفات الجاليات الإسلامية، من خلال التأكيد على أن الإسلام بريء من كل أشكال العنف أو الإرهاب وأنه دين السلام والأمان والتسامح وأنه لا يمكن اتهام أو مؤاخذة عموم المسلمين بجريرة واحد أو مجموعة ممن ينتسبون إليهم قد يثبت ضلوعهم في الهجوم"، والملاحظ في هذه الجزئية، تغييب استشهاد المؤلف عما صدر عن الرئيس الأميركي جورج بوش، فيما سُميَ بزلة اللسان الشهيرة التي تحدث فيها عن شن "حرب صليبية" لا تخرج رؤية المؤلف لموقف الإسلام من أعمال العنف، والإرهاب عما سطرته أغلب الاجتهادات الفقهية المعروفة.

خصص المؤلف خمس صفحات للحديث عن موقف الإسلام من مفهوم الإرهاب، وصفحتان حول مفهوم العنف وثلاث صفحات حول مفهوم التطرف وصفحتان حول وسطية الإسلام المنافية للتطرف يؤسس المؤلف من مقالات مايكل والتزر وبرنارد لويس حكما قطعيا مفاده أنه ثمة عداء في وسائل الإعلام الأميركية اتجاه "ظاهرة الصحوة الإسلامية"، على اعتبار أن "مثل هذه المقالات والندوات الصحفية التي يطالها كثير من التمييع والتشويه يراد من خلالها ترويج مقولات وشعارات التخويف والتحذير من الإسلام والمسلمين.

ولعل أبرز ما يحكم تلك التصورات الموغلة في التشاؤم، يضيف الكاتب، ظاهرتان أساسيتان هما : ـ ظاهرة توجه التيار الإسلامي الجديد في الغرب إلى ممارسة دور سياسي متعاظم ينمو شيئا فشيئا، ويمثل أهمية كبرى ما فتئ الخبراء الاستراتجيون والمستشرقون الغربيون يدرسونها تحت يافطة "الإسلام السياسي".

ـ ما يسمى ظاهرة "التطرف الديني" التي يحلو للغربيين أن يبالغوا في توصيفها وتحليلها وذلك بإلصاق تهم العنف والإرهاب والتعصب، بكل ما يمت إلى الإسلام والمسلمين بصلة من غير تمييز أو تفريق الجميل في هذا التقييم أنه يحيلنا على إشكاليات مفاهيمية أكبر تتعلق بتعاطي المسلمين عموما (سلطة حاكمة ونخب ثقافية ورأي عام)، مع ظاهرة الحركات الإسلامية.

أما المثير، من وجهة نظرنا، فيكمن على الخصوص في تكريس الخلط بين الحديث عن واقع المسلمين والواقع الإسلامي الحركي، وإلا، ما معنى حديث الكابت عما "يسمى ظاهرة "التطرف الديني" التي يحلو للغربيين أن يبالغوا في توصيفها وتحليلها؟" لنترك الغرب السياسي والغرب الأمني والغرب الديني في جانب، حتى لا يصبح شماعة لتفادي فتح نقاش مسؤول في أروقة المجال التداولي الإسلامي العربي لتحديد مواقفنا الحقيقية من التطرف والعنف والتشدد، وهل ثمة بالفعل ممارسات إسلامية حركية يمكن تصنيفها ضمن حالات التطرف أم أن الأمر لا يعدو "بدعة إعلامية" اتجاه تيارات "الصحوة الإسلامية"
"يحلو للغربيين أن يبالغوا في توصيفها وتحليلها وذلك بإلصاق تهم العنف والإرهاب والتعصب بكل ما يمت إلى الإسلام والمسلمين بصلة من غير تمييز أو تفريق".

في التصدي للصور المغلوطة في معرض التصدي للصورة المغلوطة التي تروج عن الإسلام والمسلمين في مختلف المنابر الإعلامية الغربية، يورد الكاتب مجموعة مقترحات، يمكن إيجازها في النقاط التالية:
ـ رصد كل الحملات التشويهية التي تثار ضد الإسلام والمسلمين، عبر وسائل الإعلام الغربية، ومن خلال المقررات والكتب الدراسية والعلمية.

ـ التفكير في ربط جسور التعاون والتواصل بين وسائل الإعلام العربية والشبكات الإعلامية الغربية المهيمنة على مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية
ـ تجنيد وتوفير الأطر والكفاءات الفكرية العاملة بالديار الغربية والتي يؤمل أن يكون لها دور فعال في تصحيح المفاهيم حول الإسلام.
ـ استغلال شبكة الإنترنت في خدمة الإسلام.

وما غاب عن المؤلف في هذا الصدد، أن يُمَرِّرَ نقدا مزدوجا خاصا بمأزق صورة العرب والمسلمين لدى الغير، لأنه لا يمكن أن نختزل أسباب تمرير هذه الصور المغلوطة في "صليبية القسيسين ومؤامرات السياسيين وتواطؤ الإعلاميين"، كما يحلو للبعض، دون أن نتحمل ولو جزءا يسيرا من المسؤولية الذاتية المباشرة في هذا المطلب، وهذا عين ما يقف عنده، مثلا، الباحث علاء بيومي مدير الشؤون العربية بمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، الذي امتلك الشجاعة الأخلاقية والأدبية للإقرار بأن "الخلفية الثقافية والحضارية لصورة الإسلام في الولايات المتحدة ـ نموذجا ـ ليست السبب الوحيد لما يشوب علاقة أميركا بالعالم الإسلامي في الفترة الحالية من توتر، فهناك عوامل أخرى عديدة تساهم في ذلك من بينها التصرفات المشينة التي تقوم بها بعض الأطراف المسلمة أو الأميركية ضد الطرف الآخر، وتراث الأفكار النمطية السلبية التي يمتلكها كل طرف عن الآخر، ودور المصالح المادية في إشعال الخلاف بين الطرفين" صورة الإسلام
في أميركا الجذور والحاضر "الجزيرة نت 3-10-2004 أما الباحث اللبناني رضوان السيد، فقد لاحظ بذكاء على أننا لا نجد في المؤسسات الدينية الرسمية على طول العالم العربي وعرضه معهدا أكاديميا واحدا متخصصا في "دراسة وفهم العلاقة الدينية والثقافية المُلتبِسة مع الغرب الأوروبي والأميركي" رضوان السيد التعامل مع المستجدات يتطلب معرفة لا نملكها الحياة 18/3/2006.

ازدواجية الحديث عن الحوار
يراهن المؤلف أيضا على دور الحوار في "تغيير الصورة القائمة والمشَوَّهة التي يكونها الغرب عن الإسلام"، فبالحوار "فقط تتاح فرصة التخفيف من حدة تيار التخويف والترويع من الإسلام الذي يهيمن على كثير من مؤسسات الإعلام والثقافة الغربية" "إنه بالحوار فقط يمكن الرد على كل ما يسيء إلى الإسلام والمسلمين والاحتجاج على ذلك لدى الجهات المسؤولة في الغرب".

هذا كلام عام حتى لا نقول فضفاض، لأننا على اطلاع بـ "حقيقة المؤتمرات التي تُنَظم بين الفينة والأخرى حول موضوع الحوار ـ ودون أن نبخس نوايا العديد من المشرفين والمشاركين في هذه المبادرات ـ فإن الواقع العربي والإسلامي يشهد بأننا نمارس ازدواجية رهيبة بخصوص التعاطي مع هذا الموضوع، وبالنتيجة، لا يمكن لهذه الازدواجية إلا أن تنعكس سلبا على الأهداف المروجة، ومنها ما يصفه المؤلف بتصحيح صورة الإسلام، وإلا ـ ما دمنا نتحدث عن دور الحوار، وما دامت دولة قطر قد احتضنت آخر أهم اللقاءات الدولية السنوية حول الحوار بإشراف أكاديمي أميركي يحمل عنوان "معهد بروكنز الأميركي"، وثمة من 17 إلى20 فبراير الماضي، في الدوحة ـ فما معنى أن تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية وأن تنطلق منها في آن أشرطة أسامة بن لادن.




تابعونا على فيسبوك