في رسالة موجهة إلى الوزير الأول

بد الله لخلوفي : التعليم ما قبل الجامعي في وضعية صعبة

الإثنين 17 أبريل 2006 - 15:33

عندما يصرخ أهل الدار وهم الأدرى بشعابها، ويتباكون عن المآل، ويستغيثون لملمة آخر الأوراق، قبل أن تذهب مع الريح، معنى ذلك أن المرض الخبيث وصل إلى حد لم تعد معه المسكنات تنفع ولا العلاج قادر على وضع حد كي لا يستفحل الداء في نخر الجسد التعليمي، هذا ما يمكن أن


لقد استهلها كاتبها عبدالله لخلوفي، أستاذ التعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، بقوله "إن التعليم ببلادنا في حالة جد حرجة من التناقض، بحيث تفشى الكم وتضخم وتغيب الكيف وتقزم، واضطربت المعارف واختلفت"، وأكد كاتب الرسالة في السياق ذاته، أن "الكفاءات والمؤهلات اضمحلت رغم توالي محطات إصلاح التعليم"، ورأى أن النتائج مخيبة للآمال، ثابتة في خطها التراجعي، وأن المشكل يبتدئ من جهة من تغيير لغة التعليم من العربية إلى الفرنسية عند ولوج التعليم العالي، ومن جهة ثانية يرجع السبب إلى ضعف التكوين البيداغوجي للأستاذ، خاصة الجامعي، معتبرا أن "تيهان المناهج والبرامج جعل التعليم بمثابة حقل تجارب بنظريات بيداغوجية لا تلامس معطيات واقعنا بصلة، تم معها تغييب المحورين الأساسيين المتمثلان في الجانب اللغوي وهو أصل المشكل ـ حسب صاحب الرسالة ـ والجانب المعرفي وهو المشكل ذاته، الذي مع تغييبه تم تغييب فكرة إعداد التكوين والتكوين المستمر على أسس سليمة، مما أدى إلى تغييب دور المدارس العليا للأساتذة وإقصائها بكل الوسائل من القيام بمهامها في التصدي للتدهور المعرفي الشامل".

وكان من نتيجة ذلك حسب ما جاء في الرسالة "طمس معالم طور التعليم الأساسي بحيث ضاع التكوين اللغوي، وطمس معالم طوري التعليم الإعدادي والثانوي فاضطربت المعارف واختلت اختلالا عميقا، إلا أنه بالرغم من كل هذا، فقد أصبح الناجح في الباكلوريا بمعدل 1520 يعد ضعيفا، إنها حقا معادلات غريبة ـ يقول عبد الله لخلوفي ـ تختزل ما تعيشه منظومتنا التعليمية من مفارقات وتناقضات يحكمها الإخلال التام بمعادلة المهام والمسؤوليات، حيث بلغ التضخم المعرفي حدا لم يعد معه أحد من رجال التعليم ما قبل الجامعي قادرا على مسايرته".

ومن تجليات هذه الحقيقة المؤلمة ـ يبرز لخلوفي ـ "ما بالكتاب المدرسي من اختلالات جوهرية خطيرة في المحتويات المعرفية والبيداغوجية واللغوية والمصطلحات"، متسائلا "أيعقل أن نجد أنفسنا بعد مرور نصف قرن من الاستثمار في ميدان التعليم والتكوين والبحث غير قادرين على تأمين كتب مدرسية في المستوى وتعليم أساسي سليم؟" إن أكبر مشكل يواجه رجال التعليم ما قبل الجامعي، يؤكد كاتب الرسالة بكل أصنافهم "هو أنهم أصبحوا متجاوزين في مؤهلاتهم المعرفية وكفاءاتهم بسبب التطور السريع للمفاهيم والمعارف وبسبب تضخمها المهول في المقررات انطلاقا من التعليم الأساسي وانتهاء إلى التعليم الثانوي، وعليه، فإذا لم نبادر وبسرعة إلى القيام بما يمكن القيام به برؤية واضحة ومنهجية علمية فإنه يخشى أن يستكمل الزمن دورته في أجل قريب ونجد أنفسنا مضطرين من جديد إلى طلب من يعلم الأجيال المقبلة العربية والفرنسية و باقي المعارف والعلوم".

وأكدت الرسالة "أن التدهور بلغ هذا الحد نظرا لاختلال الموازين والرؤى اختلالا خطيرا بسبب طمس معالم المهام والمسؤوليات وتغييب أصحاب الاختصاص والخبرة وانعدام أية منهجية سليمة في التعامل مع المعطيات والوقائع والأحداث، ومن تجليات الاختلالات في الرؤى التي سادت لحد الآن ـ يضيف لخلوفي ـ أن يختزل التدني الحاد لمستوى التعليم والتكوين في الجانب البيداغوجي للعملية التعليمية، خاصة بالتعليم العالي، وفي تغيير آلية التواصل من العربية إلى الفرنسية عند الاجتياز إلى التعليم العالي، طبقا لهذا المنظور فقد أصبح من البديهي عند الخاص والعام أن يتحمل التعليم العالي كل التبعات"
وأردف عبد الله لخلوفي مؤكدا، "أنه بموازاة مع إقصاء المدارس العليا للأساتذة من القيام بدورها الطبيعي في إعادة التكوين والتكوين المستمر فقد تمت محاصرة البحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي هذه لعدة سنوات في انتظار الإجهاز عليها تماما ضدا على كل الحقائق والمعطيات والقوانين والأعراف وذلك بالعمل على إخراجها من لائحة مؤسسات التعليم العالي غير الجامعي في المشروع الحكومي ليوم الخميس 2 فبراير 2006، ومن المفارقات الغريبة ـ يبرز لخلوفي ـ أن هذا المشروع جاء ليلغي مشروعا حكوميا آخر ليوم 22 يناير 2004 مصادق عليه، كان قد جاء منسجما مع مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والقانون 01.00 ، هل يعقل ـ يتساءل كاتب الرسالة ـ أن تقلب المنظومة التعليمية ظهرا على عقب بين مشروعين حكوميين وفي الاتجاه المعاكس تماما لمتطلبات الظرفية التعليمية الملحة التي تمر منها البلاد وتطلعات الأساتذة الباحثين بهذه المؤسسات وتطلعات رجال التعليم ما قبل الجامعي؟" .

ويقول كاتب الرسالة "إن البحث العلمي في كل المواد والاختصاصات يمثل صمام الأمان للأستاذ الباحث، بحيث يؤمن له عملية تكوين مستمر ذاتية لا مناص منها لكل أستاذ بالتعليم العالي، فالتكوين المستمر وإعادة التكوين عملية لا يمكن الاستغناء عنها وبأي حال من الأحوال، فهي إما أن تكون ذاتية بالنسبة إلى أستاذة التعليم العالي (عبر البحث العلمي) وإما أن تكون بواسطة هؤلاء في حق الأساتذة غير الباحثين، أساتذة التعليم ما قبل الجامعي"، ويضيف، "إن المعارف والمفاهيم تتطور بسرعة هائلة مع مرور الزمن، خاصة في السنين الأخيرة، كما أنه مع مروره يتآكل الرصيد المتقادم منها عند الأستاذ غير الباحث (رجال التعليم ما قبل الجامعي)، وإذا أرغم الأستاذ الباحث بدوره على التخلي عن البحث، فإنه يصبح هو كذلك متجاوزا وفي حاجة لمن يعيد تكوينه، وليس صعبا ـ يبرز لخلوفي ـ تصور ما سيؤول إليه تعليمنا إن تحولت المدارس العليا للأساتذة من مؤسسات للتعليم العالي إلى مراكز للتكوين تنعدم فيها أدنى مقومات التكوين وإعادة التكوين".




تابعونا على فيسبوك