هـل هنـاك حـل سلمــي للأزمـة الإيرانيــة؟ / باتريك سيل

الإثنين 23 يناير 2006 - 12:21

مع توالي الأيام بدأ الخلاف حول الملف النووي الإيراني يتفاقم إلى درجة أصبح يتوقع فيها بعض المراقبين تحول النقاش حول البرنامج النووي الإيراني في المقبل من الأيام إلى تهديد حقيقي قد يؤدي إلى اندلاع أخطر أزمة ستعرفها الساحة الدولية خلال 2006 .

وبالرجوع إلى تفاصيل الموضوع وحيثياته نجد أن الأمر ليس معقدا، فإيران تطلب الاعتراف بما تعتبره حقها الكامل في تحويل اليورانيوم إلى وقود من أجل استعماله لأغراض سلمية استنادا إلى البندين الأول والرابع من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تعتبر إيران أحد الموقعين عليها.

واعتمادا على المسوغات القانونية التي تضمنها معاهدة عدم الانتشار عمدت إيران منذ بضع سنوات إلى استخراج اليورانيوم وإنجاز الأبحاث الضرورية لعملية التخصيب_ بيد أن إيران لا تعمل بمفردها على تطوير قدراتها النووية واكتساب التكنولوجيا اللازمة لتخصيب اليورانيوم، فقد سارعت روسيا إلى الدخول على الخط بعدما وقعت اتفاقية مع الجمهورية الإسلامية بقيمة 800 مليون دولار تروم مساعدة السلطات الإيرانية على بناء محطة لتوليد الطاقة النووية في بوشهر على الخليج العربي.

ورغم توفر إيران على احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، إلا أنها ما فتئت تخطط لإقامة المزيد من محطات توليد الطاقة النووية وتعمل على تزويد تلك المحطات بوقود مصنع داخليا دون اللجوء إلى المساعدة الخارجية.

وسعيا منها لنزع فتيل الأزمة والتخفيف من التطلعات الإيرانية، قامت موسكو بتقديم اقتراح يقضي بتخصيب اليورانيوم في روسيا على أن تستلمه إيران وقودا جاهزا، لكن الاقتراح اصطدم برفض طهران التي أصرت على إجراء عملية التخصيب فوق أراضيها باعتباره حقا تكفله لها المعاهدة الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية.

ومع ذلك واصلت روسيا تعاونها مع طهران من خلال عقدها صفقة أسلحة مع الجمهورية الإسلامية تم بموجبها بيع نظام دفاعي ضد الصواريخ إلى طهران بقيمة مليار دولار بهدف حماية المنشآت النووية الإيرانية من أي هجوم محتمل.
ويشار أن البرنامج النووي المدني في إيران يخضع بشكل دوري لمراقبة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية التي يترأسها الدكتور محمد البرادعي.

وتكمن المشكلة في أن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، بما في ذلك إسرائيل يعتقدون أن البرنامج المدني الإيراني ما هو في الواقع سوى غطاء يخفي تحته برنامجا عسكريا يرمي في المحصلة النهائية إلى تطوير القدرات الإيرانية واكتساب الأسلحة النووية.

ورغم عدم وضوح الأدلة والقرائن التي تثبت وجود برنامج إيراني عسكري، إلا أن القوى الغربية تخشى من أن تتمكن إيران عبر امتلاك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وتحويله إلى وقود من صنع قنبلتها النووية الأولى خلال بضع سنوات.
وللتخفيف من حدة الأزمة ومحاولة حلها بالطرق الدبلوماسية قام وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث فرنسا وبريطانيا وألمانيا ببذل جهود مضنية أملا في إقناع طهران بوقف أبحاثها لتخصيب اليورانيوم.

لكن مع مرور الوقت وصلت المفاوضات إلى نفق مسدود وبات واضحا أن الجهود الدبلوماسية قد فشلت في تحقيق النتائج المرجوة، وهو ما حدا بالدول الأوروبية إلى البحث عن وسائل أخرى للضغط على طهران ودفعها إلى التخلي عن برنامجها النووي

وفي هذا السياق تسعى الدول الأوروبية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة إلى حشد دعم أطراف دولية أخرى مثل الصين وروسيا، فضلا عن الهند ودول حركة عدم الانحياز في أفق إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن أملا في أن تقود تهديدات فرض العقوبات الاقتصادية على طهران إلى تليين موقفها وإقناعها بوقف أنشطتها النووية.

وفي هذا الإطار دُعي لعقد اجتماع عاجل لمجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع شهر فبراير المقبل للنظر في الموضوع واتخاذ القرارات اللازمة.

ومن جانبها كانت إيران واضحة في ردها عندما صرحت في الأسبوع الماضي أنه في حالة رفع ملفها النووي إلى مجلس الأمن، فإنها ستوقف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها ستمنع وصول المفتشين الدوليين إلى منشآتها النووية، وربما تنسحب تماما من المعاهدة الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية.

وفي المقابل سرعان ما تصاعدت الصرخات النارية من إسرائيل وجماعة المحافظين الجدد في واشنطن تحث الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، فضلا عما يروج.

من إشاعات تفيد بوجود استعدادات أميركية لشن هجوم استباقي على إيران بالتعاون مع إسرائيل.

لذا لم يتأخر بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود الإسرائيلي في الرد عندما تعهد، في حال فوزه في انتخابات شهر مارس المقبل، باحتذاء نهج سلفه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ميناحيم بيغن الذي أرسل سنة 1981 بطائراته لقصف المفاعل النووي العراقي.

وأمام ضغوط المجتمع الدولي، وتحريض إسرائيل على ضرب طهران، جاء رد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قاسيا تخللته تصريحات غير دبلوماسية تدعو إلى "محو إسرائيل من خريطة العالم" ما أدى إلى تأجيج التوتر في منطقة الشرق الأوسط.

ولفهم الأزمة الحالية يتعين الرجوع إلى الماضي وتعقب المظالم التي أنزلتها القوى الكبرى بإيران، وهي مظالم مازالت تتذكرها طهران بنوع من المرارة مثل تقسيم إيران عقب الحرب العالمية الثانية بين النفوذ البريطاني والروسي، وتدخل القوى الأجنبية في شؤونها الداخلية كما حدث سنة 1953 عندما أطاحت الولايات المتحدة وبريطانيا بحكومة محمد مصدق الوطنية بسبب تأميمها للنفط الإيراني، فضلا عن دعم واشنطن لحكم الشاه في إيران الذي كان يدعم المصالح الأميركية في المنطقة، ثم العداء الأميركي السافر للجمهورية الإسلامية منذ إعلان قيامها سنة 1979 .

لكن الأكثر من ذلك هو وقوف الولايات المتحدة بجانب العراق في حرب الثماني سنوات التي اندلعت بين العراق وإيران
وتأخذ إيران أيضا، من وجهة نظرها، على الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) انحيازها لإسرائيل ومساعدتها على بناء ترسانتها العسكرية لتصبح قوة إقليمية في المنطقة تحتكر بمفردها السلاح النووي.

وبالنظر إلى المصير المؤلم الذي آل إليه النظام العراقي السابق على أيدي أميركا، فليس غريبا أن يسعى النظام الحاكم في طهران إلى تحصين نفسه عبر حيازة الأسلحة غير التقليدية.

ولا يبدو أن الأزمة ستحل دون دخول الطرفين في مفاوضات مباشرة لتسوية الخلافات القائمة بينهما، خصوصا فيما يتعلق بتقليص التواجد الأميركي في العراق والخليج، والعمل على إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل التي يتعين إخضاع منشآتها النووية لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية
وقد سبق للدكتور محمد البرادعي أن حذر من أن الترسانة النووية لإسرائيل ستدفع لا محالة القوى الإقليمية الأخرى إلى تعزيز دفاعاتها والبحث عن امتلاك السلاح النووي

كاتب وصحافي
إنجليزي باشتراك مع الاتحاد الاماراتية




تابعونا على فيسبوك