محمد ضريف

الجزائر تقيس صداقاتها مع كل الموقف المعادية للمغرب

الجمعة 14 أبريل 2006 - 15:24

أكد الباحث المغربي المتخصص في العلاقات المغربية الجزائرية، محمد ضريف، أن السياسة الجزائرية تنبني على أساس أن أي موقف معاد للمغرب هو مناسب لها ولسياستها، مذكرا بالنزاع، الذي نشب بين المغرب وإسبانيا حول جزيرة تورة -ليلى-، ليبرز أن دول الاتحاد الأوروبي ساندت

وقال محمد ضريف، في حوار مع " الصحراء المغربية "، إن الجزائر تعيش على إيقاع البومدينية الجديدة، معتبرا الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة ليس إلا امتدادا للرئيس الأسبق هواري بومدين، موضحا أن قراءة الوضع في الجزائر يمكن أن تنطلق من هذا الحنين للسياسة البومدينية لخلق جزائر كبرى.

وأشار ضريف إلى وجود لوبي قوي داخل الكونغرس الأميركي يدافع عن المصالح الجزائرية، استنادا إلى أطروحته التقليدية، التي يروج لها على أساس أن المصلحة الأميركية تكمن في تقوية العلاقات مع الجزائر وليس مع المغرب، لاعتبارات اقتصادية بالأساس يحكمها محاولة الاستفادة من الاحتياطات الجزائرية من الغاز الطبيعي والنفط .

ويضيف ضريف مسألة أخرى تستغلها الجزائر في عرقلة إيجاد حل لقضية الصحراء، وهي أن مجلس الأمن صادق في لحظة ما على مخطط جيمس بيكر، ورغم أن جيمس بيكر يتحدث عن مخطط لحل سلمي في إطار الاتفاق بين كل الأطراف، إلا أن الجزائر تدعي كلما سنحت لها الفرصة، بأن المغرب يرفض الحل الأممي، ويرفض الاستفتاء، وبالتالي فهو الذي يعرقل حل القضية، وأنها والبوليساريو متمسكان بحل في إطار الشرعية الدولية.

٭رفضت الجزائر أخيرا توقيع معاهدة صداقة مع فرنسا بحجة الدعم الفرنسي للمغرب في قضية الصحراء. ألا ترون أنه من الغريب أن يكون الموقف الفرنسي من قضية الصحراء هو الدافع وراء تأجيل اتفاقية من هذا الحجم؟

ـ أنا لا أعتبر الأمر غريبا، لأن الجزائر كانت دائما تقيس مواقف الدول، التي تتعامل معها، انطلاقا من موقفها من قضية الصحراء، وكل الدول، التي تساند المغرب تكون لديها علاقات متشنجة مع الجزائر، لأنها تصبح منحازة من وجهة نظر جيراننا، وتجب الإشارة هنا مثلا إلى الضغوط التي حاولت الجزائر ممارستها على حكومة ثباتيرو الاشتراكية، التي غيرت موقفها بشكل واضح من المغرب بمجرد وصولها إلى الحكم، إذ لم يعد المغرب الجار والعدو الأول لإسبانيا، كما كان عليه الحال في عهد حكومة أثنار اليمينية، وتجسد ذلك في الزيارة، التي قام بها خوسي لويس ثباثيرو إلى الجزائر، كما اضطر وزير الخارجية الإسباني أنخيل موراتينوس، المعروف بمواقفه المعتدلة والرزينة من قضية الصحراء، إلى التأكيد على أن إسبانيا مع الشرعية الدولية ومع الاستفتاء وأنها "لا تدعو إلى مبادرة تكون لفائدة المغرب دون طرف آخر".

وحين قام جلالة الملك محمد السادس بزيارة ناجحة إلى عدد من دول أميركا اللاتينية، سارع بوتفليقة إلى القيام بجولة في المنطقة نفسها في محاولة لمحو تأثير الزيارة الملكية وحيازة الدعم لأطروحة البوليساريو .

يجب أن نعلم جيدا أن السياسية الجزائرية تنبني على أساس أن أي موقف معاد للمغرب هو مناسب لها ولسياستها، ويجب أن نتذكر في هذا المقام الموقف من النزاع، الذي نشب بين المغرب وإسبانيا حول جزيرة تورة-ليلى-، إذ إن كل دول الاتحاد الأوروبي ساندت إسبانيا على اعتبار أن الجزيرة جزء من أراضي الاتحاد الأوروبي، في حين ساندت كل الدول العربية المغرب، إلا الجزائر، التي وقفت في الصف المعادي، وساندت إسبانيا، وفسرت موقفها بكون المغرب لديه "عقلية استعمارية تسلطية"، وبالتالي لا تجب مساندته.

٭ الملاحظ أن اللهجة الجزائرية للتعبير عن رفض توقيع معاهدة الصداقة مع فرنسا كانت أكثر حدة من المتوقع، ولم تتردد الصحف الجزائرية في القول إن الجزائر لم تكن ترغب في استقبال وزير خارجية فرنسا، هل يمكن اعتبار أن جودة العلاقات الفرنسية المغربية وراء تلك الحدة، أم أن هناك أسبابا أخرى؟

ـ بما أننا نتحدث الآن عن فرنسا والجزائر، فيجب القول إن البلدين يعيشان الآن مشكلين شبيهين، ففرنسا تعيش على إيقاع الديغولية الجديدة، وشيراك يسعى إلى إعادة إنتاج تصور شارل دوغول لفرنسا، الذي كان ينبني على أن دولة فرنسا يجب أن تحافظ على وطنيتها وعلى استقلالها حتى باتجاه الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، دوغول كان يريد أن تكون فرنسا قوية، مستقلة ووطنية.

أما الجزائر، فهي تعيش البومدينية الجديدة، وعبد العزيز بوتفليقة ليس إلا امتدادا لهواري بومدين، ولنتذكر أن كل طموحات بومدين حين وصل إلى السلطة سنة 1965 حتى وفاته كانت هي بناء جزائر كبرى وقوية تريد أن تؤسس قوتها على إضعاف جيرانها وعلى نوع من الحضور القوي في إفريقيا على أساس دعم كل "حركات التحرر" والدفاع عن مصالح القارة.

في وقت ما كان الكل يعتقد أن الديغولية والبومدينية اختفتا لكنهما الآن عادتا معا إلى الساحة وتجسدهما بكل وضوح خيارات الحكومتين الحاليتين في باريس والجزائر
ويمكن أن نقرأ الوضع في الجزائر انطلاقا من هذا الحنين للسياسة البومدينية وخلق جزائر كبرى.
فهي تكون عن نفسها صورة البلد الذي يجب أن يكون في المقدمة والذي يجب أن يأخذ بزمام المبادرة في الساحتين العربية والإفريقية ولا أدل على ذلك من التحركات الأخيرة للدبلوماسية الجزائرية في الجامعة العربية وفي الاتحاد الإفريقي.

وللأسف توجد اليوم عوامل تساعد الجزائر ويستغلها بوتفليقة بذكاء، لإعادة إنتاج أفكار بومدين، فهناك أولا خروج الجزائر من الحرب الأهلية التي عاشتها لأكثر من عقد الزمن وينبغي التذكير بأنه رغم أضرار هذه الحرب على الصعيد السياسي، ظل الاقتصاد الجزائري قويا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاحتياطي الضخم من العملة الصعبة الذي استطاعت الجزائر أن تراكمه حتى في سنوات الحرب الأهلية.

العامل الثاني هو ارتفاع أسعار النفط والعائدات الكبيرة التي تحصلها حاليا الجزائر من بيعه في السوق الدولية، وهناك عوامل سياسية أخرى وهي أحداث 11 شتنبر 2001 التي دفعت الإدارة الأميركية إلى البحث عن معلومات أمنية كانت الجزائر تتوفر عليها لأنها من أوائل الدول التي عانت من العمليات الإرهابية في الداخل وبالتالي لديها رصيد من المعلومات والتصورات لوسائل محاربة الجماعات الإرهابية.

كما أن الاستخبارات الجزائرية كانت حاضرة بقوة في باكستان وأفغانستان خلال سنوات الحرب، وكذلك بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان لأن عددا كبيرا من الجزائريين المتطوعين كانوا يشكلون خلايا قوية في هذين البلدين، والأجهزة الاستخباراتية الأميركية وجدت ضالتها في الجزائر لأنها ترغب في تعاون أمني مع الجزائر في إطار مايسمى "الحرب على الإرهاب".

وتجب الإشارة أيضا إلى وجود لوبي قوي داخل الكونغرس الأميركي يدافع المصالح الجزائرية على أساس أن المصلحة الأميركية تكمن في تقوية العلاقات مع الجزائر وليس مع المغرب لاعتبارات اقتصادية بالأساس يحكمها محاولة الاستفادة من الاحتياطات الجزائرية من الغاز الطبيعي والنفط.

وهناك مسألة أخرى تستغلها الجزائر في عرقلة إيجاد حل لقضية الصحراء، وهي أن مجلس الأمن صادق في لحظة ما على مخطط جيمس بيكر، ورغم أن جيمس بيكر يتحدث عن مخطط لحل سلمي في إطار الاتفاق بين كل الأطراف إلا أن الجزائر تدعي كلما سنحت لها الفرصة بأن المغرب يرفض الحل الأممي ويرفض الاستفتاء وبالتالي فهو الذي يعرقل حل القضية وأنها والبوليساريو متمسكان بحل في إطار الشرعية الدولية.

٭ ألا يمكن القول بأن التصعيد الجزائري يأتي في الوقت الذي طرح فيه المغرب مقترح الحكم الذاتي، وبالتالي فمحاولة لعب أوراق الضغط على الدول المهتمة بالصراع أو صاحبة المصالح الاستراتيجية في المنطقة يأتي لعرقلة المشروع المغربي؟

ـ يجب أن نميز في السياسة الجزائرية تجاه المغرب بين الثوابت والمتغيرات، الأكيد أن هناك معطيات جديدة يمكن أن ندرجها في إطار المتغيرات لإفشال مقترح الحكم الذاتي، ولكن ما هو أساسي هو أن موقف الجزائر لم يتغير منذ المسيرة الخضراء، إذ ظلت الجزائر تعتبر بأن المغرب دولة استعمارية وأن مشكل الصحراء هو مشكل تصفية الاستعمار، وظلت تردد هذا الموقف في إطار اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الاستعمار داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة.

إذ المواقف الجزائرية لم تتغير لأنها دائما كانت تتحدث عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، واستقلاله، وقد انتبه المغرب إلى ذلك، ويجب أن نذكر في هذا الصدد بأنه منذ سنتين وجه المغرب رسالة مفتوحة إلى الأمين العام الأممي يتهم فيها الجزائر بأنها طرف أساسي في الصراع، وأنها كانت وراء كل السياسات التي انتهجت لتعقيده وعرقلة التوصل إلى حل.

المتغير الأساسي الآن هو أن المغرب تقدم خطوة إلى الأمام بطرحه مقترح الحكم الذاتي، وللأسف فالجزائر تعيد اللازمة نفسها وتعتبر هذه الخطوة محاولة للالتفاف على مخطط جيمس بيكر ورفض الشرعية الدولية وفي هذا السياق يجب التذكير بتصريح الممثل الخاص للرئيس بوتفليقة عبد العزيز بلخادم في مؤتمر القمة العربية في السودان الذي اعتبر فيه أن كل ما يمكن أن يقترحه المغرب مرفوض، وأن الحل هو إجراء الاستفتاء وتطبيق مقررات الأمم المتحدة.

وكما قلت سابقا فالجزائر تستغل أحيانا بعض التصريحات التي تدلي بها بعض القوى الدولية، فتصريح بلخادم جاء أياما بعد تصريح أدلى به أحد المسؤولين في الخارجية الأميركية وهو المكلف بالشرق الأدنى وشمال إفريقيا قال فيه بأن الإدارة الأميركية لا ترى أي حل قابل للتطبيق في قضية الصحراء إذا لم يكن منبثقا عن الأمم المتحدة
ويبدو أن الجزائر التقطت هذا التصريح وعبرت عن رفضها لمشروع الحكم الذاتي مسبقا
لذلك أعتقد شخصيا أن مواقف الجزائر واضحة ولا ينبغي أن نربطها فقط بكون المغرب اقترح مشروع الحكم الذاتي لأن هناك ثوابت تحكم السياسة الخارجية الجزائرية في ما يخص العلاقات مع المغرب قد تتكيف وفق المتغيرات لكنها لا تتبدل كثيرا.

٭ ألا تلمسون اليوم استقواء من الطرف الجزائري يعززه التقرب الأميركي من حكومة بوتفليقة وتترجمه زيارات عدد من المسؤولين الأميركيين وصفقة الأسلحة الضخمة التي وقعتها الجزائر أخيرا مع روسيا، إضافة إلى الحاجة الفرنسية والإسبانية للغاز والنفط الجزائريين؟

ـ أظن أن توازن المنطقة ليس مستمدا من ذاته، بمعنى أن توازن المنطقة لا يأتي من قوة كل دولة داخل منطقة المغرب العربي.
التوزان السياسي والاستراتيجي يستمد جزءا من مقوماته من التوازنات الإقليمية والدولية، بمعنى آخر أن هناك قوى إقليمية خاصة في أوروبا لها مصالح مع الدول المغاربية وهذه القوى هي التي تحرص على خلق التوازنات، فأحيانا نلاحظ تكون محور "الجزائر ـ مدريد" مقابل محور "باريس ـ الرباط".

وقد تتغير المحاور بحسب الظرفية ولكن التوازن يظل قائما، إضافة إلى أن هذا التوازن يجد جزءا من مقاوماته في سياسة الدول الكبرى والولايات المتحدة بالخصوص، ولا يجب أن ننسى أنه إبان أزمة جزيرة "تورة" حافظت المنطقة على نوع من الاستقرار بفضل تدخل كولن باول وقدرته على إيجاد تفاهمات بين الرباط ومدريد.

بالتالي أنا لا أعتقد بأن التوازنات مستمدة من قوة الدول المكونة لمنطقة المغرب العربي، ولكنها تبقى قائمة بفضل حسابات على الصعيدين الإقليمي والدولي.

الآن الجزائر تشعر بالنشوة لأنها تتوفر على مقومات على الصعيد الاقتصادي بفضل عائدات النفط وعلى الصعيد السياسي لأنها استطاعت إنهاء عقد الحرب الأهلية، ولأن هناك حاجة أميركية إلى الجزائر على مستوى الملفات الأمنية، ولكن هذا لا ينبغي أن ينسينا أن المغرب يلعب دوره الأساسي ولنتذكر أن زيارة رامسفيلد الأخيرة للمنطقة شملت تونس والجزائر والمغرب.

وحلف الناتو عقد اجتماعه لأول مرة خارج قواعده في المغرب، كما أن أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تحارب الخلايا الإرهابية دون الاستعانة بالخبرة والتعاون المغربيين في المجال، ولا يمكن للاتحاد الأوربي أن يستغني عن المساعدة المغربية في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية وغيرها من الملفات المشتركة. وبالتالي لا يجب أبدا أن نستهين بوزن المغرب السياسي والاقتصادي أيضا في المنطقة.




تابعونا على فيسبوك