ستحدد المعركة التي تخوضها سنغافورة وإمارة دبي على شركة "بي اند أو" البريطانية لإدارة الموانيء من سيصبح مالك أكبر مجموعة للموانيء في العالم لكن التنافس بينهما أكبر من ذلك اذ تطمح كل منهما أن تكون مركزا للملاحة والتمويل والسياحة.
وتسعى دبي منذ فترة طويلة لمضاهاة النجاح الذي حققته سنغافورة اذ تعمل على تهيئة نفسها كمركز للتجارة الإقليمية ومكان آمن للمغتربين.
لكن بقدر ما يعجب زعماء كل منهما بالأخرى فإن طموحهم المشترك أن تكون بلدهم مركزا يزوره المسافرون بين الشرق والغرب يضعهم في مسار يؤدي الى صدام.
وفازت دبي بالجولة الأولى منذ عامين عندما تغلبت موانيء دبي العالمية على مجموعة "بي اس ايه" السنغافورية المملوكة للدولة بعرض قيمته 1.15 مليار دولار لشراء أنشطة الموانيء العالمية لشركة "سي اس اكس" الأميركية.
وتدور الآن رحى معركة أكبر بعد أن عرضت موانيء دبي العالمية 3.33 مليار جنيه استرليني 9،5 مليار دولار لشراء شركة "بي اند أو "في نوفمبرالماضي، وسرعان ما قفزت سنغافورة الى الحلبة وأقبلت "بي اس ايه" وشركتها الأم تيماسك المملوكة للدولة على شراء أسهم في شركة "بي اند أو".
وازدادت المعركة سخونة في الأسبوع الماضي عندما عرضت "بي اس ايه " ثاني أكبر شركة لإدارة مرافيء الحاويات في العالم 3.5 ملايير جنيه لشراء الشركة البريطانية.
وإذا نجحت "بي اس ايه" في محاولتها فإنها ستتقدم على شركة هاتشيسون وامبوا من هونج كونج لتصبح أكبر شركة في العالم لادارة الموانيء من خلال السيطرة على 29 مرفأ للحاويات تديرها "بي اند أو "في 19 دولة .
أما اذا فازت دبي فانها ستصبح ثالث أكبر شركة في العالم .
وقال اقتصادي يعمل في سنغافورة "ستتهدد قدرة سنغافورة على الاستمرار كمركز إقليمي"، وأضاف وليام بلشر رئيس قسم الاقتصاد الآسيوي في مكاري سيكيوريتيز في هونغ كونغ "دبي منافس، فالمدن الصغيرة سرعان ما تنمو بما يفوق نمو أسواقها المحلية" ..
ومنذ حصولها على الاستقلال عام 1965 سعت سنغافورة إلى جذب شركات التصنيع والبنوك العالمية للاستثمار فيها باغرائها باعفاءات ضريبية والايدي العاملة المدربة وبنيتها الأساسية الحديثة.
وقال الوزير السنغافوري جوه تشوك تونج بعد جوله في الشرق الاوسط عام 2005 "ان النموذج الذي تسعى دبي لتحقيقه هو سنغافوره. فهم ينسخون كل ما نفعله وينجح ويفعلون ذلك على نطاق أكبر".
وقال للبرلمان "في دبي يريدون أن يكونوا الأكبر أيا كان ما يفعلونه" مستشهدا بطموحات دبي لاقامة أعلى مبنى في العالم وأكبر مركز تجاري في العالم .
وهذا التركيز على امتلاك الأكبر في كل من المدينتين الصغيرتين نسبيا هو القوة الدافعة وراء موجة الاستثمارات والبناء ويغذي التنافس بينهما .
ويبلغ عدد سكان سنغافورة 4.4 ملايين نسمة بينما يبلغ عدد سكان دبي 1.4 مليون نسمة، لذلك فبينما تشمل المشروعات العقارية في دبي جزيرة فاخرة تبنى على شكل نخلة فان سنغافورة تريد بناء ناد للقمار باستثمارات تبلغ ثلاثة مليارات دولار تأمل أن ينافس مبنى دار الأوبرا الشهير في سيدني.
بل ان سنغافوره تخطط لبناء ناطحة سحاب على شاطئها على شكل شراع مثل فندق برج العرب الشهير في دبي، وربما تسهم هذه المشروعات في جذب السائحين اذ لا تملك المدينتان سوى القليل من المعالم الطبيعية والثقافية ويحتمل ان تفقد الاثنتان دورهما كمركز اقليمي لتوقف الطائرات والزوار مع استخدام الطائرات طويلة المدى.
كما تحتاج دبي وسنغافورة لتعزيز الاقتصاد القائم على الخدمات في كل منهما
ورغم أن دولة الامارات من المصدرين الرئيسيين للنفط فان موارد امارة دبي من النفط محدودة.
ولتعويض تناقص الاحتياطيات النفطية أمضت دبي العقود الثلاثة الاخيرة في الاستثمار في السياحة والعقارات وتجارة التجزئة والملاحة والطيران والخدمات المالية.
وأصبح النفط يمثل ستة في المائة من الناتج المحلي الاجمالي كما أن هذاالمعدل في تناقص.
وتحتاج سنغافوره بدورها للتنويع لان صناعة الالكترونيات التي تعتمد عليها منذ عشرات السنين تتعرض لتهديد من جانب الصين وتحاول الحكومة تعزيز قطاع صناعة المستحضرات الطبية والأدوية الحيوية والتعليم بل والفنون والترفيه.
وما تريده المدينتان في نهاية الأمر هو ان تكون كل منهما مركزا اقليميا للتجارة والنقل والتمويل والسياحة.
وقبل فترة طويلة من تنافس الاثنتين على قطاع المواني بدأت المنافسة بينهما في صناعة الطيران وأنشطة المطارات.
فقد عمدت دبي الى ضخ استثمارات في شركة طيران الامارات أحد أسرع شركات الطيران نموا في العالم لتتحدى بذلك شركة طيران سنغافورة في كثير من اسواقها الرئيسية.
وقال ظفار مؤمن من مجموعة بوسطن الاستشارية "دبي قد تكون مصدر خطر لأنها تدعم مطارها كما أنها بنت شركة طيران قوية حتى يمكنها ان تصبح مركزا للطيران".
وخصصت دبي 4.1 ملايير دولار لتوسعة مطارها الدولي وتهدف لزيادة سعته إلى 60 مليون راكب بحلول عام 2010 .
كما أنها رفعت عدد الركاب من 9.7 ملايين عام 1998 إلى 21.7 مليون في عام 2004
وخلال الفترة نفسها سجل مطار شانجي في سنغافورة نموا بنسبة 28٪ من 23.8 مليون إلى 30.3 مليون راكب، ولا يقتصر الأمر على قطاع النقل فقط.
فان حملة دبي لتوسعة دورها كمركز مالي يتجاوز منطقة الخليج جعلتها تدخل منافسة مباشرة مع سنغافورة على حصة من الازدهار الاقتصادي في آسيا .
وتأمل دبي ان تقنع السيولة المالية الوفيرة في منطقة الخليج الشركات من خارج المنطقة بقيد أسهمها في بورصتها العالمية الجديدة بمركز دبي المالي العالمي.
ونشرت دبي إعلانات أنيقة في إطار الاستعداد لافتتاح البورصة في سبتمبر الماضي، ظهرت فيها خريطة للعالم وعليها أربع مدن فقط هي نيويورك ولندن وهونغ كونغ ودبي، وكان واضحا غياب طوكيو وسنغافورة عن الخريطة.