تفرضها ظروف الدراسة والعيش بعيدا عن الأسرة

عزوبية من نوع آخر في حياة شاب

الأربعاء 22 مارس 2006 - 12:10

تحدثنا كثيرا عن استقلالية الشاب ورغبته الجامحة في ذلك لو توفرت له الظروف المادية التي تساعده، لكن هناك وضعية أخرى تفرض على هذا الشاب الاستقلالية والعيش في وضعية عزوبة بعيدا عن الأهل والوالدين ودون زوجة وهي الوضعية التي تفرض عليه حين يغادر بيت أبويه، ومدين

متاعب هذا الشاب، ولنسميه أحمد، تبدأ منذ اليوم الأول الذي التحق فيه بسكنه الجديد، ففي بحثه الدائم عن الاستقلالية فهو غالبا ما يختار كراء بيت عوض الالتحاق بالسكن الجامعي إذا تعلق الأمر بدراسته في الجامعة.

فهو سعيد في أول يومه بعالمه الجديد الذي سيكون فيه حرا بعيدا عن أغلال الأب الذي يتربص بكل خطواته يبحث عن سبب لتوبيخه، لأنه يعتقد أن القسوة هي الطريقة الوحيدة التي تصنع منه رجلا.
البحث عن سكن جديد هو في حد ذاته تعب، فالأمر ليس بالهين ومع ذلك يصمد أحمد، ويرفض الاستعانة بأبيه الذي طلب منه الاتصال به في حالة عجزه.
وهاهو يكتري البيت بثمن معقول "أخيرا، استطعت الاعتماد على نفسي في هذا الموضوع، دون الرجوع إلى أبي " يفرح أحمد.

الغربة والبعد عن بيت العائلة لن يشعر به أحمد إلا بعد أيام من وصوله، والتحاقه بالكلية
فهاهو يعود إلى بيته ليجده خاليا، باردا ليس هناك صوت أمه التي تسأل عن كيف قضى يومه وهل تناول الطعام أم ليس بعد لتعده له بنفسها، وليس هناك إخوته الذين يتشاجرون مع بعضهم البعض، وليس هناك الوالد الذي يسأل عن الولد الذي رافقه طيلة اليوم .
الطعام يجب أن يعده بنفسه، لقد نسي أن يشتري ما يأكله والتعب أخذ منه مأخذا لذا لن يعود إلى الخارج، وهكذا نام ليلته دون طعام. لابأس سيتعود على تذكر ما يحتاجه قبل العودة إلى البيت في المساء.

مرت الأيام وأحمد ينعم بالحرية بعد القيود التي عاش فيها أيام الثانوية، لكن لم يهنأ طويلا وهو يتفقد ملابسه التي بدأت تتسخ، وأصبحت بحاجة إلى غسيل.
" كيف؟ وأنا الذي لم أغسل يوما حتى منديلا؟ هل أحملها إلى مصبنة الحي؟ هذا حل معقول" . ولم يدرك أحمد حينها أن ملابسه ستحتاج كل أسبوع غسيلا الشيء الذي لا يتلاءم وميزانيته الضعيفة، إذن فليعتمد على نفسه مرة أخرى.

وهذا ما كان في الأسابيع التالية، وقد عانى أحمد كثيرا وهو ينتظر حارسا ثيابه أن تجف خوفا من أن يسطو عليها أحدهم.
في الواقع، لا يحسن أحمد الطبخ. لذا، كان يعتمد في أغلب الأحيان على الوجبات الجاهزة من المطاعم. هذا الأمر جعله يراجع الميزانية التي تتوفر لديه.

ومادام قرر أن يعتمد على نفسه في عزوبيته هذه، فهو لا يريد الاتصال بأسرته لطلب المزيد من المصروف. إنه يريد أن يكون "رجلا" كما كان يطلب منه والده دائما. إذن، فالحل هو العودة إلى الطبخ في البيت وإعداد وجبات لا ينجح دائما فيها حتى لو تعلق الأمر فقط بقلي البيض. وهكذا يجد أحمد نفسه أمام تحد آخر سينجح فيه مع مرور الأيام.

ففي كل مرة كان يعود فيها أحمد لزيارة أسرته، يستشير أمه وأخواته الأكبر منه في أمور المطبخ، ويسجل الوجبات السهلة والاقتصادية حتى يستفيد منها في حياته الجديدة
لكن إذا كان الأب يفرح باعتماد ابنه المدلل على نفسه، كانت الأم تتحسر على بعد ابنها عنها وعدم قيامها بنفسها بكل طلباته وحاجياته.

"أبي أيضا كان ينصحني بعدم المجيء كل أسبوع لزيارتهم، ويقول لي يجب أن تكون قويا حتى تستطيع أن تواجه الحياة بصعابها ونزواتها" يعترف أحمد الذي بدأ يتأقلم مع حياة العزوبية، وأصبح يملك خبرة في التعاطي معها، مما يجعله قادرا على نقل خبرته للعزاب الجدد.
وإذا كان هناك من دروس استخلصها بعد تكوينه أسرة وحصوله على وظيفة هي الاعتماد على النفس و اكتساب روح رياضية في التعامل مع شؤون البيت.
فهل نفس الشيء عاشه من لم يبارح بيت والديه، وجعلته الظروف يعتمد عليهما في كل شيء؟
إنها المرحلة الحاسمة في حياة كل شاب.مرحلة تغير نمط عيشه وربما تعيد تكوين شخصيته من جديد.




تابعونا على فيسبوك