فضيلة الفاروق تتنقل بين الغرائبي وعلم النفس في اكتشاف الشهوة

السبت 21 يناير 2006 - 13:00

رواية الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق الأخيرة "اكتشاف الشهوة" تنقل القارىء بين عدد من المناخات التي يمكن أن تعبر عنها عناوين بينها إعادة إنتاج "العادي والثوب المستعمل وتداخل حدود مشتركة بين الغرائبي وعلم النفس.


ومنذ بدء قراءة الرواية يشعر القاريء بأنه امام امر عرفه قبلا أو عرف مثله بضع مرات في السابق.

ويشعر في أحيان أخرى أنه أمام ما يمكن تشبيهه بتلك الثياب المستعملة التي تستورد من الغرب وبينها الجميل والأنيق.


لكنه ما زال "مستعملا" وقد سبقت مشاهدته بالأناقة نفسها أو أقل منها عند اخرين
لكن في الصفحات الأربعين الأخيرة من الرواية نشهد تغيرا في الوضع يكاد يكون كليا
فمن العادي والمستعمل ننتقل فجأة إلى عالم تتداخل حدوده المشتركة التي تقع بين الغرائبي وعلم النفس فتنتهي الأمور كما في أجواء الأحلام.

إلا أن الكاتبة في كل ما تقدمه تحمل فكرا تغييريا لكنه يركز على الأمور الجنسية
لها لغة شعرية تتجلى بقوة في الغالب وقدرة على الوصف السردي في احيان كثيرة
الرواية هي العمل القصصي الرابع لفضيلة الفاروق الأديبة المولودة في الجزائر سنة 1967 والتي عملت في الصحافة المكتوبة والمسموعة في الجزائروانتقلت الى لبنان سنة 1995 بعد زواجها من لبناني.

وقد جاء عملها الروائي هذا في 142 صفحة متوسطة القطع وصدر عن دار "رياض الريس للكتب والنشر .

" من بداية الرواية نجد أن الأمور تبدو كأنها قيلت كلها تقريبا من البدايات وتحول الأمر إلى ما يشبه نظرية يجري عرضها في محاضرة سردية.

نقرأ السطور الأولى فنكاد نفهم الرواية كلها ونتصور ما سيجري فما يرد فيها ليس بجديد
لا جديد في الأحداث ولا في الأفكار ولا في المشاعر.

يرافقنا هذا الشعور الى ان نصل ـ قبل نهايتها ـ إلى وضع تتغير فيه الأمور كلها
نقرأ مع الكاتبة قصتها في أسطر قليلة .

تبدأ بالقول "جمعتنا الجدران وقرار عائلي بال وغير ذلك لا شيء آخر يجمعنا
فبيني وبينه أزمنة متراكمة وأجيال على وشك الانقراض لم يكن الرجل الذي أريد .



ولم اكن حتما المرأة التي يريد ولكننا تزوجنا تزوجنا وسافرنا ومن يومها انقلبت حياتي رأسا على عقب.

" تشرح السبب الذي جعلها في هذه الحال فتوضح ذلك بقول ألفته اسماعنا شكلا ومضمونا ويبدو لنا الأمر على الشكل التالي.

نحن امام نظرية اجتماعية شائعة وشبه مسلم بها ترد عند الكاتبة وامام محاولة تطبيق "روائية" لهذه النظرية.

نقرأ معها عن وضعها فزوجها مودود أو مود "الغريب ووالدي واخي الياس وقبضة الحديد التي يخنقني بها النظام الأبوي الذي نعيش تحت رحمته .

" في باريس التي سافرا إليها يتحول "مود" إلى زان سكير مبتذل في علاقاته الجنسية يعاملها بطرق شبه حيوانية جنسيا واجتماعيا ويعود مخمورا قبيل الفجر الى البيت أو لا يعود لا كلام ولا تفاهم .

عند صديقة لها لبنانية تدعى ماري تعرفت إلى "ايس" وهو لبناني متزوج و"دون جوان" أو زير نساء في الوقت نفسه وتبدأ الأمور في التغير تقيم معه علاقة تجعلها تكتشف نفسها وجسدها وتحولها الى شخص جنسي الى حد الهوس.

تعلقت به مع انه عاملها كأنها عاهرة تقول "أكثر ما جذبني اليه طريقته الخاصة في جعل كل شيء مأساويا حوله " حذرتها ماري منه وقالت لها ان هذا هو "الخدعة الأولى التي تنطلي على المرأة نحن العربيات نميل دائما الى المعطوبين عاطفيا " إلا ان النصيحة لم تؤثر فيها.

التقت به أول مرة تحت المطر الباريسي فذكرتها الشوارع بقسنطينة
ثم أخذ يتجاهلها فتزداد تعلقا به أقامت علاقة مع شخص آخر يدعى شرف لكنه لم يستهوها زوجها كان يضربها بوحشية لأسباب غير معقولة.

التقت في المبنى الذي تقيم فيه بشاب جزائري من بلدها ومن القسم الثري من عائلتها لم تكن تعرفه هو توفيق بعد ضرب زوجها لها وتدخل الشرطة تخلى عنها الزوج ثم طلقها كان توفيق حاضرا ومهتما برقة وتفهم أقامت معه علاقة وتعلقت به.

نجد حتى الآن أن كل ما تتحدث عنه الرواية هو الجنس وأن الحياة لم تكن اكثرمن حفلات تؤدي إلى ممارسات جنسية, إلا أن علاقتها مع توفيق جعلتها تشعر بأنها "اغتسلت" وأن العلاقة جعلتها تدرك "ما يمكن ان تعانيه كل النساء وهن يمارسن الجنس بلا عاطفة فقط لأنهن متزوجات من رجال يثيرون الشفقة.

تقرر السفر إلى قسنطينة لإبلاغ أهلها بطلاقها على أن تعود إلى توفيق
جن جنون الأهل وضربها أخوها تصف النساء في بلدها وبلسان أختها بأن حال نساء المجتمع كلهن مثل حالها وتستغرب أنها أرادت الطلاق أصلا.

أبلغتها الأخت أن زوجها لا يسأل عن متعتها الجنسية ويقول لها "من علمك ان المرأة تشعر بالمتعة من علمك هذه الخرافات " وقال إنه يمارس الجنس "حسب شرع الله وهذا هوالمطلوب منه لا أكثر.

" كانت تخطط للعودة الممنوعة عليها إلى باريس وتبدأ "الغرابة" هنا تستفيق في مستشفى للامراض النفسية يقول لها الطبيب إنها فيه من ثلاث سنوات وهي تصر على انها كانت في بيتها أمس.

يخبرها الطبيب ان الأمطار الشديدة التي هطلت قبل ثلاث سنوات أي سنة 2000 هدمت منازل عديدة في مناطق عديدة ومنها بيتهم وأن أهلها لم يكونوا في المنزل وأنها نجت من الموت وفقدت ذاكرتها .

أبلغها أن جميع من ذكرتهم أي مود وايس وماري كانوا في باريس فعلا لكنهم موتى منذ سنوات باستثناء توفيق فهو حي ولايزال في فرنسا.

وأبلغها ان زوجها هو المهندس مهدي عجاني الذي قتل سنة 2000 أضاف الطبيب النفسي "هناك شيء في حكايتك يفوق الطبيعة وأنا لم اتوصل إليه سفرك اثناء غيبوبتك
تواصلك مع الأموات الحياة الأخرى التي عشتها كل شيء أصدقه منك لكنني لا أجد له تفسيرا " ترد بقولها "ثلاث سنوات طارت من عمري سنة من المعاناة مع مود لم تكن سوى وهم ايس ومعبري نحو الشهوة كان وهما هو الآخر ومهدي عجاني هذا الذي اجهل عنه كل شيء كيف تزوجته وكيف مات.

هؤلاء الذين تعج بهم سنتي الوهمية من أين جاءوا واقتحموا غيبوبتي وحولوا سكينتي المرضية الى أيام صاخبة " وعند خروجها قصدت منزل أهل زوجها الراحل فأكدوا لها زواجها منه وحصلت منهم على صورة لها ولهكما أكد أهلها ذلك لها الطبيب خالد سليم سلمها ما كانت تكتبه في حالات معينة وروت به قصتها التي نشرتها رواية سألته "هل يمكن للمخيلة ان تسخر من الجسد بهذا القدر " فأجاب "بالعكس المخيلة هي جزؤنا الذي لم يدجْن بعد أما أجسادنا عقولنا عواطفنا أحلامنا كلها أودعت سجون التدجين
" قالت له أنها كانت مطلقة "وسعيدة لأنني عرفت أي طريق أسلك وقد تخلصت من قوقعتي العائلية من اسمال المجتمع تريد أن تقول إن ما حدث لم يكن أكثر من مخيلة أيعقل هذا " الطبيب الذي يحترمها رد قائلا "نحن مجتمع يحتاج الى من يوقظ مخيلته
" أما جوابها فكان "أنت تخيفني مرة أخرى فهذا يعني أنني لن أستنشق الحرية التي أريد إلا بمقدار حجم مخيلتي".

أما كيف انتهت الرواية فبعجائبية جاءت على الشكل التالي في آخر جلسة لها مع الطبيب سلمها أمرا بأنها تستطيع الخروج نهائيا من المستشفى معربا عن أسفه "لأنني أخرتكما كل هذا الوقت " تنظر كي ترى من هو الثاني فاذا به توفيق توفيق الذي كان في باريس.

باريس التي لم تعرفها ولم تزرها إلا خلال غيبوبة السنوات الثلاث " ركبنا السيارة معا وحين تحركت بنا احتضنت ذراعه وأسندت رأسي إلى كتفه وأنا أشم رائحته نفسها تلك الرائحة التي جعلتني أشتهيه واستسلم له واتمناه دائما أن يكون بقربي.




تابعونا على فيسبوك