يعرّف المخرج العراقي "جواد الأسدي" شخصيات عمله بالقول : "إنها تحتفي بالوجع وتصنع منه إكليلاً من النار، هموم مترمدة وجدت مساربها عبر أرواح "فايز قزق" و "نضال سيجري"، في رغبة حميمية، ونقية لإشاعة فن الحياة العذب.
وذكرت مصادر صحفية ان "الأسدي" يضع المتتبع أمام بنية الذات الاجتماعية العراقية في الغوص بلحظتها الآنية في حوار مفتوح وجاد بين شقيقين في هذا الحمام عبر "مجيد" الأخ الأكبر ويجسده الفنان "فايز قزق"، و"حمود" الأخ الأصغر ويجسده الفنان "نضال سيجري"، تنفتح هذه البنية المجتمعية من خلال ذكريات الطفولة في المنزل العراقي الذي عاشا به، واستمرا لعرض ما في داخله من بوح وتقشير لعيوب الذات.
واضافت المصادر ان الحوار بين الأخوين يوضح أنهما يعملان سائقين عراقيين على خط عمان بغداد، لكنهما الآن في الحمام حيث يتعرى الإنسان ويبدأ بفعل البوح الداخلي والاغتسال والتطهير من كل دنس الواقع الحياتي العراقي عبر اختيار شخصية الأخ "حمود الصغير" الذي يرى أن الجحيم العراقي سببه الاحتلال الأميركي للعراق الذي يقوم بالسيطرة والاستبداد ونهب ثروات العراق، بينما الأخ الأكبر "مجيد" ينظر إلى ما يقوم به الأميركان كدور إيجابي في بناء المجتمع العراقي الديمقراطي المسالم والغني.
وتظهر عملية الكشف والبوح عندما يتحدث الأخ الأصغر "حمود" عن استغلال الأخ الأكبر للعائلة وظلمه وكذبه وانتهازيته له وللأسرة الصغيرة وبهذا يتحقق ما كان قائماً في العراق قبل احتلال بغداد حيث النظام يسرق وينهب ويستغل العراق الكبير كعائلة، وهذا ما يدفع الأخ الصغير للهجوم على الأخ الأكبر وكذلك على الاحتلال الأميركي للعراق، لكن هذا الواقع لا ينصف الأخ الصغير والمجتمع العراقي.
واضافت المصادر نفسها أنه في محاولة لتعرية هذا الواقع لا يدين ولا يمجد المخرج "الأسدي" الأخ الصغير إنما يدفعه للبوح لنقد الذات العراقية المنتمية إلى القاع الاجتماعي المسحوق، ولا يعمل على جلد هذه الذات فقط بل يدفعها للبوح عن تفاصيل أمراضها وعيوبها وخوفها وطمعها، فالأخ الأكبر كان يتعاون مع النظام ومع قدوم الأميركان نقل تعاونه إلى الاحتلال، ولكنه يستغل أخيه الصغير في نقل المساجين عند النظام المنهار وحتى المشاركة في تصفيتهم الجسدية.
وعلى الجانب الآخر من العرض المسرحي نجد الحاجز الأميركي ومحاولة الأخوين العبور بجثة المرشح العراقي الثري إلى داخل العراق.
وتنتهي أحداث العمل المسرحي "حمام بغدادي" بموت الأخ الأكبر بسبب قبوله بتفتيش الجثة وانتهاك حرمة الموتى حيث تنفجر الجثة بالأخ والحاجز والمجندة الأميركية التي تقوم بعملية التفتيش بينما ينجو الأخ الصغير لعدم اقتناعه ومشاركته في انتهاك حرمة الموتى.
ويرى المتتبعون ان "الأسدي" استطاع وضع شخصيتي عمله الفنان "فايز قزق" والفنان "نضال سيجري" أمام جهنم الواقع العراقي الماثل لكل العالم بغاية التأكيد على فعل الانهيار والهدم القائم في هذا الواقع فمن الداخل نجد "الحمام البغدادي" وفي الخارج هناك "الحاجز الأميركي"، ولإدخال مشاهدي العرض ضمن هذه الأجواء مد خشبة المسرح لأكثر من نصف مقاعد صالة الحمراء الدمشقية، وفتح الدخان والضباب في أجواء الحمام من أجل دمج المشاهدين في اللعبة المسرحية الجارية لدرجة أن الغبار الحقيقي يصيب مشاهدي العرض في مشهد انفجار الحاجز.
واستطاع الفنان "فايز قزق" إظهار روح الهيمنة والسيطرة والانتهازية في شخصية الأخ الأكبر "مجيد" في أداء مسرحي أخاذ يعتمد تظهير الكوامن الداخلية لهذه الروحية وتجارب الفنان "نضال سيجري" مع أداء الأخ الأكبر في بث روح الطاعة والخوف داخل ذاته لوضعها أمام مشاهدي هذا العمل المسرحي.