الكلام المقدس

الخميس 19 يناير 2006 - 16:53

قبل أن يساء فهمي فإنني أبرأ من كل فتوى قد يستشفها أحد من هذا المقال، كما أنني لا أقصد التجريح بأي عالم، أقول هذا وأسأل، هل عندنا كمسلمين كلام مقدس؟ الجواب بلاشك نعم، فيمَ يتمثل هذا الكلام؟ .

إنه يتمثل في الوحي، بشقيه القرآن الكريم والثابت من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، هل هناك كلام مقدس غير الوحي؟ .

الجواب بالنفي حسب وجهة نظري الشخصية، وما رأيك في أقوال العلماء؟ إنها اجتهادات صلحت لزمانهم وقد لا تصلح لزمننا، هل تنكر الدور الذي قاموا به في الأمة؟ بكل تأكيد لا، وجزاهم الله عنا خير الجزاء، إذن لماذا لا تقر فتاواهم كلها؟ لأنهم ليسوا معصومين من الزلل كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى : "كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر". ويقصد به الرسول عليه الصلاة والسلام هذه مجموعة من التساؤلات.

والسبب أننا بحاجة ماسة اليوم إلى علماء غير الحفظة الذين يرددون ما نقش في ذاكرتهم مما هو مخطوط في كتب الفقه، لست منكرا للآراء الفقهية المتعددة لكنها في تصوري إنما كتبت لزمن غير زماننا، وبالذات منها ما يستخدم فيه القياس، كأن نقيس السفر على البعير في الصحراء المحفوفة بالمخاطر، على السفر اليوم في الطائرة.

فنحرم ذلك على النساء مثلا، أذكر أن إحدى طالباتي عرضت مرة في مساق التفكير الذي أدرسه بحثها على بقية الطالبات، وكان الهدف منه إقناع الآخرين بوجهة نظر معينة، وقد اختارت موضوع سفر النساء دون محرم، وبعد أن استعرضت الآراء المدونة في كتب الفقه القديم والمعاصر، خلصت إلى أنه لا يجوز سفر المرأة دون محرم، وتأثم المرأة إذا قامت بهذه العملية، وكعاتي مع طلبتي في الجامعة لابد من طرح بعض الأسئلة كي يتطور البحث.

فقلت للطالبة : وما مسافة السفر المحددة في كتب الفقه؟ قالت ما يقارب الثمانين كيلومترا، فقلت لها من أي مدينة أنت؟ فذكرت المدينة وهي تبعد عن مقر الجامعة ما يقارب 200 كيلومتر، فقلت لها إذن أنت على سفر؟ قالت نعم، ومن هو محرمك في هذه السفرة؟ قالت لا يوجد، هنا اكتشفت الطالبة خطورة ما تقول، كلنا يسمع اليوم عن فتاوى غريبة وعجيبة لا تتناسب مع الزمن الذي نعيش فيه، فقد استمعت منذ وقت قريب إلى طالب علم يرى أنه من غير الجائز إيداع الأموال في البنوك، بالله عليكم هل هذا كلام معقول؟ وقد استمعت إلى آخر يرى أن المرأة من الأفضل لها عدم التصوير حتى للوثائق الرسمية إلا إذا أجبرت على ذلك، ولو أردت التوسع في ضرب الأمثلة لملأت هذه الصفحة لكنني أتيت بالشواهد كي أؤكد الحاجة إلى التفريق بين الكلام المقدس والآراء التي يمكن اتباع بعضها ورد الآخر.

لكن السؤال هو ومن لديه القدرة على الحكم على هذه الآراء؟ بدون شك لا يستطيع عامة المسلمين الاجتهاد والبحث في الأدلة الشرعية، ومن هنا وجب علينا الانتباه إلى أمرين أولهما يكمن في أهمية قيام المجمعات الفقهية العالمية بمراجعة ما هو مكتوب في مدونات الفقه بقصد تبسيطه وحذف ما هو غير مناسب لزمننا هذا، أما الأمر الآخر فهو الانتباه إلى من يتصدى للإفتاء وبالذات على الهواء، والتأكد أنه ليس من أصحاب المحفوظات غير المناسبة وإنما هو من أصحاب القدرة على ربط النص الشرعي بالواقع الذي نعيشه.

هذا إن أردنا تناسب الإسلام مع كل زمان ومكان، وإلا فإننا نكون حجرنا الإسلام بزمن لا يعيشه الناس اليوم، والعيب ليس في الدين بل فيمن حول النصوص غير المقدسة إلى تعاليم لا ينبغي الاجتهاد فيها .




تابعونا على فيسبوك