اضطرابات هونغ كونغ ومأزق الديمقراطية في الصين / جون هيوز

الخميس 19 يناير 2006 - 16:46

طغى على الساحة الدولية في الآونة الأخيرة حدثان مهمان، مرا دونما اهتمام كبير، ولئن كان الحدثان في ظاهرهما منفصلين، إلا أنهما يشتركان في دلالاتهما القوية، خصوصاً بالنسبة للنظام الشيوعي في الصين.

ففي المستعمرة البريطانية السابقة هونغ كونغ خرج آلاف من السكان إلى الشوارع في مظاهرات عارمة تطالب بكين بإنجاز الإصلاحات الديمقراطية كاملة رافضين الاقتراحات المجتزأة التي تقدمت بها الصين في وقت سابق لعدم تطابقها مع التطلعات الديمقراطية لسكان هونغ كونغ.

وعلى رغم أن المنظمين قدروا عدد المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع بـ250 ألف شخص، إلا أن السلطات الصينية اختزلت الرقم إلى 63 ألفاً فقط محاولة التقليل من أهمية الاحتجاج الشعبي الذي جاء على خلفية النقاش الدائر حول المقترحات الصينية المتعلقة بالإصلاحات الديمقراطية، وهو ما يرفضه مؤيدو الديمقراطية، مركزين في حملتهم على مبدأ التصويت الحر والمباشر لانتخاب رئيس السلطة التنفيذية وأعضاء المجلس التشريعي.

وفي حدث آخر منفصل أطلقت قوات الأمن الصينية النار على سكان قرية »دونجزو« الواقعة في جنوب الصين ما أدى إلى وقوع ما لا يقل عن عشرين قتيلاً، وهو ما نفته السلطات الصينية معلنة وقوع عدد أقل من الضحايا.

ويرجع سبب إطلاق النار إلى الاحتجاجات التي نظمها أهالي القرية والداعية إلى وقف بناء محطة لتوليد الطاقة تعمل بالفحم فوق أراضي القرية دون أن يحصلوا على التعويضات المناسبة، ناهيك عن التلوث الناجم عن المحطة الذي سيلحق بالمنطقة.

وبالرغم من الطابع الاقتصادي لتلك الهبة الشعبية وعدم تبنيها لمطالب سياسية، إلا أنها شكلت مظهراً نادراً من مظاهر المعارضة للسلطات الصينية، وهو ما لفت انتباه الحكومة في بكين التي لم تتأخر في معالجة الموقف حتى لو استدعى ذلك الدخول في مواجهة عنيفة مع المحتجين وسقوط الضحايا في أوساطهم.

والمثير في الأمر أن قرية"دونجزو" الصغيرة تقع على مقربة من هونغ كونغ، وكجميع المناطق الساحلية المتاخمة للمدينة يلتقط الناس تليفزيون هونغ كونغ الذي يتمتع بحرية أكبر بالمقارنة مع التلفزيون الصيني الخاضع للرقابة الحكومية الصارمة.

ولا شك أن الاضطرابات الأخيرة التي حدثت في هونغ كونغ تزعج كثيرا النظام في بكين الذي مازال يوظف الشيوعية وهياكل الحزب الواحد من أجل إحكام قبضته الحديدية على كافة مناطق البلاد، وفي الوقت نفسه يقوم بتعزيز النهج الرأسمالي وتكريس أساليبه التي غذت النمو الاقتصادي وأسهمت في بروز الصين كقوة اقتصادية قادرة على اكتساح الأسواق العالمية.

وتخشى الصين من أن تؤدي المعارضة في هونغ كونغ وبعض المناطق الجنوبية إلى تأجيج مشاعر الاحتقان لدى السكان وتشجيعهم على تحدي السلطات الصينية على شاكلة تايوان.

فقد استطاعت هذه الأخيرة الحفاظ على خصوصيتها السياسية والاقتصادية وفي نفس الوقت الإفلات من السيطرة الصينية، رغم أن هذه الأخيرة تريد الإبقاء على تايوان كجزء من أراضيها.

وفي هذا الإطار تسعى الولايات المتحدة إلى المحافظة على التوازن الدقيق في العلاقات مع الصين، وذلك من أجل ضمان مصلحة الطرفين معا.

من جانبه يرقب البيت الأبيض بعين متيقظة المساعي الصينية المحمومة في العالم والرامية إلى التنافس مع القوى العالمية الأخرى حول مصادر الطاقة في آسيا وأميركا اللاتينية حفاظا على توسعها الاقتصادي وحماية لمصالحها الاستراتيجية.

كما تعمل الصين على تحسين قدراتها العسكرية وتطوير ترسانتها من الأسلحة
ورغم أنها لا تقاس بأي حال من الأحوال بالقدرات العسكرية الهائلة لأميركا، فإن التهديد الصيني وارد للدول المجاورة في منطقة المحيط الهادي، لا سيما وأنها منطقة حساسة بالنسبة للولايات المتحدة بالنظر إلى أهميتها الاستراتيجية.

والدليل على حجم الصين المتنامي هو استدعاؤها للمشاركة في قمة دول شرق آسيا المقرر عقدها في جوادالمبور، حيث ستحضرها الدول الأعضاء، بالإضافة إلى الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، لكن دون مشاركة الولايات المتحدة
وبالرغم من المنافسة الشديدة التي تطبع العلاقات الثنائية بين أميركا والصين حول مصادر الطاقة والنفوذ في العديد من مناطق العالم، إلا أن هناك مصالح مشتركة بين الطرفين، لا سيما في مجال التبادل التجاري، وهو ما يفسر عدم تعرض الرئيس بوش لانتقادات صينية عندما أشاد، غداة زيارته للصين، بالديمقراطية في تايوان.

ومن جانبه رحب بوش بمشاركة الصين كطرف أساسي في المفاوضات مع كوريا الشمالية لإقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي، وهو الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين في المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي.

وفي نفس السياق تنتظر الولايات المتحدة من بكين القيام ببعض التنازلات بهدف إعادة التوازن إلى الميزان التجاري بين البلدين، خصوصا في ظل الحجم الكبير للصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة مقارنة مع حجم وارداتها المتدني.

ومع أن الجانب الصيني أبدى تفهمه للانشغالات الأميركية، إلا أنه لم يقم إلى حد الآن بخطوات عملية في اتجاه تصويب الخلل الحاصل في الميزان التجاري للبلدين . ولعل آخر شيء يريده الطرفان هو الدخول في مواجهة حول موضوع تايوان.

كاتب أميركي
باشتراك مع كريستيان ساينس مونيتور والاتحاد الإماراتية




تابعونا على فيسبوك