الانتخابات وأخطاء المراقبين الأجانب / وحيد عبد المجيد

الخميس 19 يناير 2006 - 16:34

الدول الغربية بحكوماتها ومنظماتها المدنية وغير الرسمية معنية بأن تعلمنا أصول الديمقراطية، ولا يرى كثير من العرب مانعاً في ذلك سواء لأن لهذه الدول تجارب وخبرات طويلة في الممارسة الديمقراطية، أو لأنه ليس هناك أحد فوق التعلم، وفي هذه البلاد نفسها يشيع مفهوم

فقد حققت هذه الدول تقدماً كبيراً أيضاً في مجالات متعددة، وإن بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، ومع ذلك لا تكف مؤسساتها ومواطنوها عن طلب المزيد بدءاً من الطبيعة والرياضيات إلى المسرح والموسيقى، فلماذا الديمقراطية تحديداً هي التي لم تعد موضعاً لتعليم متواصل بالرغم من أن البلاد التي حققت تقدماً كبيراً فيها باتت في حاجة ماسة إلى تطوير ممارستها لها وأفكارها عنها لحل مشكلات متزايدة تواجهها، بدءاً من التناقص المستمر في معدلات المشاركة في الانتخابات وليس انتهاء بدور الأحزاب السياسية في مرحلة ثورة الاتصالات.

غير أن حاجة بلاد الغرب الديمقراطي إلى تعليم ديمقراطي متواصل تظهر في أمر أبسط من ذلك بكثير، وهو إنعاش الذاكرة التي يبدو أنها لم تعد تسع بعض مقومات العملية الديمقراطية مثل الثقافة الملائمة لها بما تتضمنه من قيم وسلوكيات في العمل السياسي بوجه عام وفي الانتخابات بوجه خاص، وربما يرجع ذلك إلى أن الديمقراطية استقرت في هذه البلاد، وانتشرت ثقافتها في المجتمع جيلاً بعد جيل بحيث باتت الثقافة الديمقراطية هي القاعدة وما عداها استثناء لا يلفت انتباهاً لأنه لا يترك أثراً يذكر، فقد أبعد الزمن هذه البلاد عن مرحلة نشأة وتطور الديمقراطية فيها.

وبالتالي من المشكلات والعوائق التي واجهها هذا التطور قبل أن تنتشر ثقافة الحوار وقبول الآخر والتنافس السلمي والاقتراع الحر واحترام نتائج الانتخابات والإيمان بأن الفائز اليوم يمكن أن يخسر غداً، والعكس.

ومن الطبيعي أن يقل الاهتمام بما يبتعد عن الصورة مع مرور الزمن إلى أن يطويه النسيان ولكن هذا طبيعي بالنسبة إلى من لا يشتغلون بالموضوع الذي بات بعض جوانبه تاريخاً بعيداً.

أما المشتغل بموضوع ما فالطبيعي بالنسبة إليه أن يكون هذا التاريخ حاضراً في ذهنه غير منسي، وينطبق ذلك على عالم في الكيمياء لا يمكن إلا أن يكون تاريخ العلم حاضراً في ذهنه، كما على ناشط في منظمة مهمتها الترويج للديمقراطية لا يصح عمله إلا إذا كان على وعي بتاريخ هذه الديمقراطية.

ولذلك يصبح سقوط جزء بالغ الأهمية في هذا التاريخ من ذاكرة مروجي الديمقراطية في الغرب قصوراً خطيراً، ويظهر هذا القصور في الطريقة التي نظرت بها جهات غربية متنوعة إلى مشكلات التطور الديمقراطي في عالمنا العربي، وخصوصاً في تقويمها للانتخابات التي أجريت في بعض بلاده في الفترة الماضية، والتي كان آخرها في مصر والعراق، فقد ركزت هذه المنظمات كلياً على إجراءات العملية الانتخابية ومدى مطابقتها لما تسميه "المعايير الدولية"، بمنأى عن الأبعاد الثقافية التي لا يمكن فهم أو تقويم أي انتخابات بدونها.

ويظهر هذا القصور واضحاً في نظرة البعثة الدولية لمراقبة الانتخابات العراقية، التي أعلنت أن مراقبتها لسير هذه الانتخابات أظهرت أنها كانت مطابقة عموماً للمعايير الدولية، فهذه المعايير باتت مختزلة في الجوانب الإجرائية للعملية الانتخابية دون اهتمام يذكر بمضمون هذه العملية وما يعكسه من ثقافة تؤثر إيجاباً أو سلباً فيها
فلم يلفت انتباه هؤلاء الذين تابعوا الانتخابات المصرية عن كثب أن مرشحين رفعوا الإسلام شعاراً واستغلوه بشكل كثيف في حملتهم الانتخابية قدموا أنفسهم إلى ناخبين محدودي الوعي، وأحياناً لا وعي لهم، باعتبارهم متحدثين ليس فقط باسم الإسلام ولكن أيضاً باسم الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يدرك هؤلاء الحريصون جداً على الديمقراطية أن استغلال ضعف وعي الناخب هو نوع من أنواع تزييف الانتخابــــــات ينبغي إدانته،

فما الفرق ـ جوهرياً ـ بين من يمنع ناخبا من الإدلاء بصوته حتى لا يفوز مرشح معين، ومن يفرض على الناخب أن يقترع لمصلحة مرشح محدد عبر استغلال تدينه لمنعه من الاقتراع بحرية؟ فالناخب الذي يقع تحت ضغط الإلحاح عليه بأن الاقتراع لمصلحة مرشح معين يعني الاقتراع لله ورسوله لا يمكن أن يكون حراً في اختياره.

وإذا عجز مراقب غربي للانتخابات عن إدراك ذلك، فهو لا يعدو أن يكون »روبوتاً« تمت برمجته لرصد انتهاكات محددة كلها تخص الإجراءات لأنها تكون واضحة بذاتها ولا تحتاج إلى تفكير وإعمال العقل فيها بخلاف الانتهاكات المتعلقة بالأبعاد الثقافية للانتخابات
وقد رأينا كيف أهمل مراقبو الانتخابات العراقية من أعضاء البعثة الدولية استخدام الرموز الدينية والتدخل الكثيف لعلماء الدين شيعة وسنة للتأثير على إرادة الناخب بما يعنيه ذلك من انتهاك لحق هذا الناخب في أن يختار بحرية بعيداً عــن أي ضغوط مادية أو معنوية
فعندما أعلن أحد مسؤولي هذه البعثة رأيه في الانتخابات العراقية ركز على مطابقة هذه الانتخابات للمعايير الدولية.

وعندما أشار إلى استخدام الرموز الدينية ودور علماء الدين، حصر الأمر في مجرد بضع شكاوى تلقتها البعثة وسيتم بحثها، فهذا النوع من انتهاك حرية الانتخابات لا وزن يذكر له لدى المنظمات الغربية التي تعطي أولوية كبيرة، وأحياناً مطلقة، للتجاوزات المادية التي تخص هذا الإجراء أو ذاك من إجراءات العملية الانتخابية، أمــــا الانتهاكات المعنوية التي ترتبط بضعف الثقافة الديمقراطية وغياب ثقافة الانتخابات في المجتمع، فهي لا تحظى بأكثر من اهتمام ثانوي في معظــم الأحيان.

ألا يعرف المراقبون الغربيون، مثلاً، فداحة الأثر الذي يترتب على إقحام المرجعية الشيعية في الانتخابات، وهل يمكن أن تأتي نتائج هذه الانتخابات معبرة عن إرادة حرة للناخبين عندما يؤدي تدخل المرجعية إلى حصول القائمة التي تؤيدها على الغالبية الساحقة من الأصوات في مناطق الجنوب ذات الكثافة الشيعية؟ ألا يدرك هؤلاء المراقبـون أنه يستحيل أن يقترع أكثر من 80 في المئة من الناخبين في النجف ومدن أخرى لمصلحة قائمة واحدة في انتخابات سجل المتنافسون فيها رقماً قياسياً من حيث عدد القوائم إلا إذا كان هناك تدخل يؤثر علـى حرية الاقتراع؟ لهـذا أخطأ هؤلاء المراقبون في حكمهم على الانتخابات في العراق.

كما في مصر لأنهم عجزوا عن معرفة ما هو معروف بالضرورة في تاريخ الممارسة الديمقراطية، وفي حاضر النظرية الديمقراطية، وهو أن الضغط المعنوي يمثل انتهاكاً لا يقل عن الضغط المادي، بل يزيد خصوصاً إذا اقترن بعامل ديني أو عقائدي في مجتمع متدين.

كاتب مصري
باشتراك مع الاتحاد الإماراتية




تابعونا على فيسبوك