الملك محمد السادس: المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها

الأربعاء 19 نونبر 2014 - 08:01
53365

تتعرض الأمم للاحتلال وتكبو لبعض الوقت، ومن ثمة تصحو وتنهض وتثأر من جلاديها، وقد ابتليت شعوب كثيرة بشعوب أخرى جاءت إليها مستعمرة وغازية، فعاثت فساداً وجاست خلال الديار.

كان الشعب المغربي أحد تلك الشعوب التي تعرضت لاستعمار ظالم من قوى دولية متجبرة. فقد بدأ الإسبان حربهم ضد هذا الشعب منذ أن سقطت غرناطة بأيديهم عام 1492، حيث راحوا يشنون الغارات على سواحل المغرب الشمالية ويمارسون القرصنة وتمكنوا من السيطرة على مدينتين مغربيتين هما سبتة ومليلية كما سيطروا على مجموعة من الجزر المغربية في البحر المتوسط والميحط الأطلسي

ومن ثمة فُرِضَ على المغرب نوعٌ من الحماية، جعلت أراضيه تحت سيطرة فرنسا وإسبانيا معاً، بحسب ما تقرر في مؤتمر الجزيرة الخضراء في عام 1906، الذي أتاح للدول المشاركة فيه، تسيير المغرب مع احتفاظه ببعض السيادة ورموزه الوطنية، وبعثت فرنسا بجيشها إلى الدارالبيضاء في 1907، وانتهى الأمر بالسلطان إلى قبول معاهدة الحماية في عام 1912 في الوقت الذي أصبح  فيه لإسبانيا مناطق نفوذ في شمال المغرب (الريف) وفي جنوبه إفني  وطرفاية، وأصبحت طنجة منطقة دولية بعد إقرار اتفاقية باريس. أما باقي المناطق بالمغرب فقد كانت تحت سيطرة فرنسا.

لكن إرادة الحياة والتحرر التي تمثلت بشخصية الملك الراحل محمد الخامس، حطمت قوة المستعمرين وأجبرتهم على الاعتراف بسيادة المغرب واستقلاله والجلاء عن معظم أراضيه، وذلك عام 1956، وظل المستعمر الإسباني يفرض سيطرته على جنوب المغرب لاتخاذه قاعدة له للتوغل في إفريقيا، لكن المملكة المغربية لم تصبر على بقاء أرضها في الجنوب تحت الاستعمار، حيث بادر الملك الراحل الحسن الثاني إلى تنظيم المسيرة الخضراء لإجبار إسبانيا على الجلاء عن الصحراء .

وفي 5 نونبر سنة 1975 خاطب ملك المغاربة الحسن الثاني الذين تطوعوا للمشاركة في هذه المسيرة قائلاً "غداً إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غداً إن شاء الله ستطئون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملاً من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز".

وقد شارك في تلك المسيرة المباركة 350 ألف مغربي ومغربية (10 في المائة منهم من النساء). بعد أربعة أيام على انطلاق المسيرة الخضراء بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل يضمن للمغرب حقوقه على أقاليمه الصحراوية. ومن أقوال الملك الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك" عندما سأله الصحافي الفرنسي "إريك لوران" في أي وقت بالضبط قررتم وقف المسيرة الخضراء؟ فأجاب "في الوقت الذي أدركت فيه جميع الأطراف المعنية أنه يستحسن أن تحل الدبلوماسية محل الوجود بالصحراء.

ولم يكن إرسال المغاربة في المسيرة الخضراء بالأمر الأكثر صعوبة، بل كان الأكثر من ذلك هو التأكيد من أنهم سيعودون بنظام وانتظام عندما يتلقون الأمر بذلك، وهم مقتنعون بأن النصر كان حليفهم، وذلك ما حصل بالفعل". وفي 9 نونبر 1975 أعلن الملك الحسن الثاني أن المسيرة الخضراء حققت المرجو منها وطلب من المشاركين في المسيرة الرجوع إلى نقطة الانطلاق أي مدينة طرفاية.

وقد مكنت هذه المسيرة المغرب من بسط سيطرته على كامل أراضيه في الصحراء. وفي الذكرى التاسعة والثلاثين لهذه المسيرة المباركة، وجه جلالة الملك محمد السادس خطاباً إلى الأمة قال فيه، إن "المغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها"، مؤكداً أن "مبادرة الحكم الذاتي هي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب"، في إطار التفاوض لحل هذا النزاع الإقليمي. وجدد الملك المغربي في خطابه تأكيده على وجوب تحميل الجزائر المسؤولية بوصفها "الطرف الرئيسي" في النزاع.

وقال "بدون تحميل المسؤولية للجزائر، الطرف الرئيسي في هذا النزاع، لن يكون هناك حل. وبدون منظور مسؤول للواقع الأمني المتوتر بالمنطقة، لن يكون هناك استقرار".

إن المسيرة الخضراء لم تكن حدثاً عابراً، بل كانت تعبيراً عن ترابط ووحدة أرض المغرب من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. ورغم محاولة بعض الدول التأثير في قضية الصحراء وحاولة خلق شعب صحراوي وإنشاء دولة افتراضية لهذا الشعب، إلا أن الدولة المغربية أدارت المعركة حول الصحراء بذكاء وحنكة وعرفت كيف تتصرف بهذا الملف الذي تم تدويله، واستطاعت أن تجني ثمار صمودها وهدوء استراتيجيتها، فالعالم كله بات مقتنعاً بوجهة نظر الدولة المغربية بخصوص الصحراء التي كانت وستبقى أرضاً مغربية تخضع لسيادة القانون المغربي.

كاتب من الإمارات

[email protected]




تابعونا على فيسبوك