عندما يُذكر باب المغاربة بهذه الصيغة، ينصرف الذهن مباشرة إلى باب المغاربة الموجود في القدس الشريف.
ربما لكون هذه المنطقة تقع الآن في قلب الأحداث العالمية، وربما أيضا لقدسية هذا المكان لدى المسلمين
وفي المقابل لا يعرف الكثير من المغاربة -أو ينسى الكثيرون منهم- أن في فيتنام موقعا آخر يحمل نفس الاسم : باب المغاربة وهو معلمة من المعالم التاريخية التي تزخر بها فيتنام والتي لها دلالة تاريخية ورمزية حضارية غاية في الأهمية يقع هذا الباب على بعد 70 كلم شمال العاصمة هانوي، في قرية اسمها بافي ها طاي (Bavi Ha Tay)
وهي القرية نفسها التي دُفن فيها البطل التاريخي هوشي منه قبل أن يُبنى له ضريح خاص به بل هناك روايات تشير إلى كون هذه القرية هي مهد وأصل الشعب الفيتنامي ومن هنا الرمزية الكبيرة التي يتمتع بها هذا الباب
وتحكي الكثير من الروايات أن هذا الباب تم بناؤه ما بين سنتي 1956 و1960، من قِبل الجنود المغاربة الموجودين آنذاك في شبه الجزيرة الهندية الصينية، والذين جاءوا إلى هذه المنطقة للمحاربة تحت راية فرنسا القوة الاستعمارية في تلك الفترة،قبل أن يتركوا هذه القوة ويلتحقوا بالقوات الفيتنامية
للإشارة فإن فرنسا انسحبت من الفيتنام سنة 1956 أثناء الحرب الهندوصينية الأولى
فبعد نهاية الحرب الحرب الهندوصينية سنة 1954 وبتعليمات من الزعيم الوطني الفيتنامي هوشي مينه
تجمع هؤلاء المغاربة في إطار تعاونية فلاحية مع جزائريين وتونسيين وسنغاليين، وكذلك أوروبيين ولاعتبارات عديدة، كان قدر المغاربة الاستقرار في هذه المنطقة، وتأسيس أسر لهم هناك ، ولكي يتركوا بصماتهم في هذه المنطقة كانت فكرة بناء هذه المعلمة العجيبة التي قاومت كل أشكال ومحاولات الهدم في البداية
كانت هذه المعلمة تحمل اسم باب أوروبا(إفريقيا)آسيا، حيث ساهم في بنائها مغاربة وجزائريون وتونسيون وسنغاليون إضافة إلى الأوروبيين ثم بعد ذلك تحول اسمها إلى باب المغاربة
وهو الاسم الذي يطلق على هذا الموقع إلى يومنا هذا ونشير إلى أن التصور المعماري لهذه المعلمة مستفاد (كما تحكي الروايات التاريخية) من جريدة روسية وُجدت ملقاة على الأرض
تحوي تحقيقا مصورا عن المغرب ومختلف مواقعه التاريخية ومن هنا ذلك الشبه الذي نجده واضحا بين (باب المغاربة) وبين الكثير من المواقع المغربية التاريخية، بل الشبه بينه وبين التراث المعماري والحضاري العربي والإسلامي
إن هذا الباب يذكرنا بالفعل بروعة المعمار المغربي- فرغم وجود هذا الباب في عمق آسيا إلا أنه لا علاقة له البتة بالمعمار الآسيوي وهذا لا يمنع من القول بأن الأرض التي احتضنت هذا الباب الذي ينتمي لثقافة وحضارة مغايرة هي أرض أسيويةولهذا دلالة كبيرة
تشير إلى التلاقح الحاصل بين الرموز في إشارة واضحة إلى ضرورة التعايش بين حاملي هذه الرموز : الأرض والباب من هذا المنطلق أضحى من الأهمية بمكان الاهتمام بهذه المعلمةالباب كرمز يدفع بالتعارف والحوار والتعايش بين الشعوب إلى أفق يساهم في تكريس السلم الإنساني العالمي
فللأسف الشديد، إن المعرفة المتبادلة بين آسيا والعالم العربي والإسلامي مزجاة
رغم أنه من السهولة ربط الجسور بين هذين العالمين، حيث لم يعرف العالم العربي استعمارا من قِبل آسيا، ناهيك عن كون ثقافات العالَمين ثقافة روحية بالدرجة الأولى، مما يسهل التفاهم والتعاي طبعا هناك بعض المحاولات الرمزية التي تصب في هذا المسار
ففي متحف التجمع الوطني لفيتنام سجادة فاسية تقليدية مهداة من قِبل أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء للجليل Thich Chon Thien أثناء زيارة هذا الأخير للمغرب في دجنبر 2006
كما توجد في هذا المتحف أيضا صينية فضية مهداة إلى الأعضاء الشرفيين للتجمع الوطني لفيتنام
إن السؤال المحوري الذي يفرضه الحديث عن هذه المعلمة المنسية، شعبيا ورسميا، هو كيف نجعل من باب المغاربة منطلقا لاستعادة الدور المغربي في قيادة التعايش بين شعوب وثقافات العالم؟إن الشعوب والثقافات تحيى بالرموز وكلما اندثرت وهمشت رموزها إلا وتحولت الشعوب والثقافات إلى أرقام لا روح لها
والباب في ثقافات الكثير من شعوب العالم ترمز إلى الإلهام والإبداع والأمل والحلم
وإحياء هذا الباب (في زمن تموت فيه الرموز) الذي يَعْبُرُ كل حضارات العالم، حيث شارك كما قلنا في بنائه عناصر من مختلف الثقافات (الأفريقية والآسيوية والأوروبية)
إن هذا الإحياء هو إحياء للأمل بالنسبة لعالم اليوم وهذا الباب الذي يرمز إلى الأمل
يحمل أملا كبيرا للعمل من أجل إبداع أرضية فكرية مشتركة تدخل السعادة على بني الإنسان وقد بدأت ترى النور محاولات عديدة في سبيل إحياء القيمة الرمزية والإنسانية التي يحملها هذا الباب.
منها محاولة نادي التفكير في الأمم (CRN) www.cercledereflexion.org الذي يرأسه)Dr
Michel thao chan) وضع ضمن أهدافه الاستراتيجية إيجاد كل الوسائل من أجل جعل هذا الباب شعارا للسلام العالمي، مادام هذا الباب يحمل بصمات أبرز الحضارات على المستوى العالمي
ومن هنا كانت تسميته الأولى، كما أشرنا من قبل : (باب أوروبا/إفريقيا)آسيا
ومن بين الجهود الأخرى التي يقوم بها هذا النادي (CRN) هو انخراطه في عملية التأسيس لعلاقات مثمرة بين العالم العربي وآسيا
وسعيه نحو التنسيق بين البلدان العربية والآسيوية على كافة المستويات؛ خاصة ما يتعلق بترميم هذا الباب الذي يعتبر المفتاح الأساس لهذا التنسيق
وكان المغرب، بتنسيق مع العالم العربي، قد اقترح من قَبْل إرسال أحد أبرز المتخصصين في معمار وفن الحضارة العربية والإسلامية من أجل المشاركة في ترميم هذا الموقع الرائع
وهذه اللقاءات والمعارف ستساهم ولاشك في ترميم ونفخ الروح في هذا الباب، وهو الأمر الذي سيجعل قيمة هذا الموقع تتضاعف أكثر فأكثر
مما سيصل حتما إلى تسجيله ضمن تراث الإنسانية كرمز روحي وتاريخي لهذا العالم
والمغرب على المستوى الرسمي ـ وكذلك على المستوى غير الرسمي ـ مطالب بلعب أدوار طلائعية قصد إعادة الاعتبار لهذا الموقع الذي يحمل اسم باب المغاربة، وهي فرصة كي يستعيد المغرب دوره الثقافي والروحي والحضاري في عالم اليوم
وإن ترك هذا الباب دون عناية أو ترميم سيعرضه ولاشك للهدم والضياع؛ مما يعني ضياع قيمة أساسة وهي قيمة التعايش وما الباب إلا أبرز رموزها ومن هنا ضرورة التدخل العاجل للمسؤولين في المغرب وفيتنام على حد سواء، من أجل إعادة الروح لـ باب المغاربة من جديد
أخيرا، هناك بابان مغربيان يمكن أن يكونا منطلقين أساسيين لتأسيس تعايش حقيقي بين شعوب العالم : باب المغاربة في القدس الشريف، وباب المغاربة في الفيتنام
ولن يتحقق هذا الأمر إلا بأمرين أساسين : الأول يتمثل في إدراك القيمة الكبيرة للرموز الثقافية والحضارية ثم العناية الواعية بها
والثاني يتمثل في جعل الكرامة والعدل وإعادة الحقوق إلى أهلها في قلب أي سعي نحو التعايش
كاتب من المغرب