مليكة الفاسي كانت وسيطا بين الملك المحرر ورجال الحركة الوطنية

رحيل المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة بالاستقلال

الإثنين 14 ماي 2007 - 10:45
مليكة الفاسي المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة بالاستقلال

ووري، بعد صلاة عصر أمس الأحد بمسجد الحسن الأول في الرباط، جثمان المناضلة الوطنية مليكة الفاسي، المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة بالاستقلال، عام 1944، التي وافتها المنية مساء يوم السبت بعد مرض لم يمهلها طويلا.

شكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال تحولا في مسار الحركة الوطنية ومسيرة الاستقلال، كانت مليكة الفاسي المرأة الوحيدة بين أزيد من 50 موقعا، وقدمت الوثيقة رسميا إلى المقيم العام الفرنسي بالرباط، وممثلي عدد من الدول، يوم 11 يناير 1944 .

ازدادت مليكة الفاسي في يونيو سنة 1919، ودرست في السنوات الأولى لتعليمها بدار الفقيه، وهو كتاب كان خاصا بالفتيات، ثم انتقلت لمتابعة دراستها على يد كثير من الأساتذة والعلماء، من جملتهم العلامة سيدي عبد السلام السرغيني، والشهيد الأديب محمد القري، وغيرهما.

ولما اشتد عودها، ونضج فكرها، التحقت بإحدى خلايا الحزب الوطني، وعهد إليها بتنظيم الحركة النسائية في دائرة الحزب، وعندما تولى زوجها محمد الفاسي مديرية جامعة القرويين، اغتنمت الفرصة وكونت وفدا نسائيا تشرف بمقابلة المغفور له محمد الخامس لمطالبته بإعطاء أوامره لفتح فرع خاص للطالبات الفاسيات يكون تابعا للقرويين، فأذن الملك محمد الخامس بذلك، ونتج عن فتح فرع دراسي للطالبات تخرج بعض العالمات، أمثال الراحلة الدكتورة زهور الزرقاء، والأستاذة حبيبة البورقادي، والأستاذة فطومة قباجة، وأخريات.

ويشير عدد من الكتابات حول تلك الفترة الدقيقة من تاريخ المغرب، إلى أن الراحلة مليكة الفاسي، كانت تتمتع بنشاط كبير في مجالات متنوعة، إذ زيادة على نشاطها الوطني السياسي، كانت فاعلة في عدد من النشاطات الاجتماعية والثقافية، كما كانت من السباقات اللائي طلبن أن يخول للمرأة المغربية حق المشاركة في الانتخابات التي كانت تجرى في المغرب.

ونتيجة ذلك التحرك، عينت مليكة الفاسي في بداية الاستقلال بظهير شريف ضمن اللجنة المركزية المشرفة على التعاون الوطني، وساهمت في إنشاء العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية، وأسست مع جماعة من الوطنيات، جمعية المواساة بالرباط لإيواء البنات اليتيمات، ومن ثمرات تحركها، إحرازها على وسام من منظمة اليونيسكو.

ويشار إلى أن أبو بكر القادري، المقاوم المغربي، وأحد مؤسسي الحركة الوطنية، تطرق أكثر من مرة إلى خصائص هذه الشخصية في كتبه حول "مذكراته في الحركة الوطنية المغربية"، إذ أسهب في الحديث عن مليكة الفاسي لدى تعريفه بالشخصيات التي وقعت على وثيقة المطالبة بالاستقلال، إذ تعرف عليها في سنوات الثلاثينات.

وذكر أن شخصية مليكة الفاسي، التي لم يكن يعرفها بهذا الاسم، إذ أثارته حين كان يقرأ مقالات ممضاة باسم »باحثة الحاضرة« في ملحق جريدة "المغرب" آنذاك، وتساءل حول من تكون تلك المرأة التي ظهرت فجأة في الميدان الصحافي دون غيرها من النساء، وزاد لديه فضول التعرف عليها حين لمس من خلال كتاباتها كيف كانت تشير إلى"أن ميدان الصحافة يجب أن لا يظل حكرا على الرجال وحدهم، وأن الدعوة إلى الإصلاح والتطور ينبغي أن يشترك فيها الرجل والمرأة على السواء".

وبين أبو بكر القادري في مذكراته أنه بعد مرور فترة وجيزة على ذلك، علم أن تلك المرأة "الفريدة هي السيدة مليكة الفاسية، زوجة الأستاذ محمد الفاسي، وبنت عمه سيدي المهدي، وأخت الشاب الناهض عبد الكبير بن المهدي الفاسي"

واكتشف القادري أيضا أنها بدأت كتاباتها الصحافية في مجلة"المغرب" الشهرية التي كان يصدرها محمد الصالح ميسة الجزائري، وتوقع مقالاتها فيها بتوقيع "الفتاة"، أما التوقيع باسم "باحثة الحاضرة"، فكان اقتباسا من كاتبة مصرية مشهورة آنذاك كانت توقع باسم »باحثة البادية".

مع مرور الوقت تعرف أبو بكر القادري، عضو أكاديمية المملكة المغربية حاليا، على مليكة الفاسية في بيتها مع زوجها محمد الفاسي، قرب مسجد حسان، حيث كان يعقد أعضاء الحركة الوطنية اجتماعاتهم السرية، وجاء تعرفه عليها خصوصا بعد أن توطدت العلاقة السياسية التعاونية بينهما في الحزب الوطني، وحزب الاستقلال، وبين المغفور له محمد الخامس، إذ كان محمد الفاسي، هو الرسول بين أفراد الحركة وبين الملك محمد الخامس في كثير من الظروف.

ووصف القادري مليكة بأنها المرأة التي كانت تتقد غيرة وحماسا ووطنية، إذ »كانت العضد الأيمن والمساعد الأوثق لزوجها، وكانت تتبع النشاطات الوطنية، واهتمامات المخلصين الملتزمين من رجال الحركة الوطنية، وزاد نشاطها عندما انضمت إلى أعضائها، إذ كانت المرأة الوحيدة في تلك المجموعة، بل كانت الجناح السري في الحزب الوطني".

وكانت مليكة الفاسي موضع ثقة من الحزب، ولذلك خصت وحدها دون غيرها من النساء الوطنيات بالالتحاق بالجناح السري للحزب بعدما أقسمت اليمين على المصحف بكتمان الأسرار الوطنية السياسية، ومنها الاتصال السري والمنظم مع المغفور له محمد الخامس .

ونظرا لمكانتها دعيت الراحلة لتكون ضمن الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، وإن لم يعلن عن اسمها في حينه، بسبب "نشوب أزمة حادة بين الحركة الوطنية وبين الإقامة العامة الفرنسية، ولظروف اعتقال الكثير من قادة الحزب".

وفي خضم ذلك، ظلت مليكة الفاسي ضمن المسؤولين الذين ينفذون بعض النشاطات الوطنية، ومنها إسعاف المعتقلين، وأسر الشهداء الذين قدموا أنفسهم في سبيل الله وتحرير بلادهم، إلى جانب تبليغ بعض المعلومات لملك البلاد، المغفور له محمد الخامس في أوقات الشدة والضيق، وكانت مليكة الفاسي آخر من رآه الملك الراحل قبل نفيه بيوم واحد عشية يوم 19 غشت 1953 .





تابعونا على فيسبوك